خطبة الحياة

في السنة العاشرة من الهجرة النبوية، حج نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ووقف عليه الصلاة والسلام في مشعر عرفات وخطب في المسلمين خطبة لا مثيل لها، فيها جوامع الكلم واختصار المعاني، ووضوح الرؤية، فقد بدأ عليه الصلاة والسلام بالإشارة بأن هذه الخطبة هي خطبة الوداع (فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، فكان حديث المحب المخلص المودع ثم سارع بالإعلان عن حقوق الإنسان الحقيقية فأعلن حرمة الدم والمال (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) بل كان عليه الصلاة والسلام يدعو لحقن الدماء حتى في الجهاد فكان يوصي أن لا يقتل الشيخ الكبير ولا المرأة أو الطفل الصغير أو الذي لا يحارب فهذا مع غير المسلمين فكيف بالمسلمين.

بعد أن أكد عليه الصلاة والسلام على حقوق الإنسان الحقيقية عمد إلى التعريف بميزان الحق الذي يوزن به الناس يوم القيامة وهو ميزان (التقوى) فقال عليه الصلاة والسلام (كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى) فلا قيمة للحسب والنسب ولا للجاه أو المال أو الشهرة ولا يعتد بأرقام المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعية أو غيرها من النعرات الجاهلية والتي يتم التفاخر بها اليوم فأساس الميزان هو (التقوى) ولذلك حرص عليه الصلاة والسلام أن يلغي بعد ذلك كل الشرائع الباطلة الأخرى (كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة).


في مثل هذا الموقف العظيم حرص النبي العظيم وبعد أن أكد حقوق الإنسان أن يؤكد حقوق المرأة فقال (ألا واستوصوا بالنساء خيراً) فأي تكريم هذا للمرأة سواء كانت أمًا أو أختًا أو زوجة أو بنتًا فقد أعطاها الإسلام ما أعطى الرجل من ثواب أو عقاب وجعل لها الحق في البيع والشراء والتملك بل وجعل النفقة والكفالة على أبيها أو ولي أمرها حتى لو كانت من الأغنياء فما من دين سماوي أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام.

لم يخفِ عليه الصلاة والسلام قلقه على أمته وخوفه من أن تنقسم من بعده ولذلك فقد أعلن تحذيره للأمة (إنكم ستلقون ربكم فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضهم رقاب بعض) وحرص عليه الصلاة والسلام أن يقدم الحصن الحصين لحماية الأمة من الانقسام والتفكك فقال (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن تمسكتم به، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم). ولذلك فإن ما نشهده اليوم من قتال بين المسلمين وتفكك وانقسام فهو نتيجة لعدم التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.


لقد كانت خطبة موجزة ولكنها شاملة ولو لم يعمل المسلمون إلا بهذه الخطبة لكفتهم وأصلحت حالهم فهي ليست خطبة الوداع فقط بل خطبة مدى الحياة.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»