كثافة التنظير وشح التطبيق.. ظاهرة تستحق التدقيق!

أَقرَأ كَثيرًا مِن الآرَاء؛ التي تُطرَح لحَلِّ هَذه المُشكِلَة أَو تِلك، وهَذه الآرَاء كنَظرياتٍ، تَبدو مَقبولة ورَائِعَة وأَخَّاذَة، ولَكنَّها مُستَحيلة التَّطبيق، لأنَّها ضِدّ الفِطرَة، وضِد الحَيَاة وضِد الوَاقِع..!

انتَشرَت قَبل فَترَة - فِي إِحدَى مُدن الوَطن العَربي - ظَاهرة الطَّعن والقَتْل بالسِّكين، فاقتَرَح أَحَد الطّيِّبين البُسطَاء؛ مُصَادرة كُلّ السَّكَاكين مِن المَحلَّات، ومَنع دخُولهَا إلَى البَلَد، حَتَّى تَنتَفي هَذه الجَريمَة..!


كَمَا اقتَرَح رَجُلٌ طيّب آخَر، أَنْ يُفْصَل الرِّجَال عَن النِّسَاء؛ مِن خِلال تَأسيس مَدينَة للنِّساء، وأُخرَى للرِّجَال، حَتَّى لَا يَحصُل الاختلَاط، ولَا تَنتَشر المَعَاصي، ولَا يَتعَاطَى النَّاس الفِسق.. ومِثل هَذا الحَلّ؛ قَد يَخدع البُسَطَاء، فيُعجبون بِهِ، ومَا عَلِمُوا أَنَّه رَأيٌ يَصلح كنَظريَّة، ولَكن تَطبيقه مُستَحيل..!

والغَريب أَنَّ مَن يَقرَأ بَعض كُتب الفَلَاسِفَة، سيَجد أَنَّهم يَطرَحون آرَاء؛ تَتَعَالَى عَلَى الوَاقِع، وتَستَحيل عَلَى التَّطبيق، ومَن يُطالع كِتَابَات شَيخنا «الفارابي»، أَو كِتَابَات «أفلاطون» فِي مَدينتهِ الفَاضِلَة، سيَجد الكَثير مِن الآرَاء المُتعَالية عَلَى سَطْح الوَاقِع..!


إنَّ مِثل هَذه الآرَاء كَثيرة فِي كُتب التُّرَاث، وقَد ذَكر شَيخنا «علي الوردي»؛ فِي كِتَابه «مَهزلة العَقْل البَشري»، قصّة يَقول فِيهَا: (يُحكَى أنَّ جَمَاعة مِن الفِئرَان، اجتَمعُوا ذَات يَوم، ليُفكِّروا فِي طَريقة تُنجيهم مِن خَطَر القِطِّ، وبَعد جَدَلٍ عَنيف، قَام ذَلك الفَأر المُحتَرَم، فاقتَرَح عَليهم أَنْ يَضعوا جَرسًا رَنَّانًا فِي عُنق القِطّ، حَتَّى إذَا دَاهمهم؛ سَمعوا بِهِ قَبل فَوَات الأَوَان، وفَرّوا مِن وَجهه. إنَّه اقترَاحٌ رَائِع لَا رَيب فِي ذَلك، ولَكن المُشكِلَة الكُبرَى؛ كَامِنَة فِي كَيفية تَعليق الجَرَس عَلَى عُنق القِطّ، فمَن هو ذَلك العَنتَري؛ الذي يَستَطيع أَنْ يَمسك بعُنق القِطِّ، ويَشدّ عَليه خيط الجَرَس، ثُمَّ يَرجع إلَى قَومهِ سَالِمًا غَانِمًا؟.. نَسَي صَاحبنَا الفَأر، أَنَّ اقترَاحه لَا يُمكن تَطبيقه عَمليًا، فالقِطّ سَوف يَأكل؛ كُلّ مَن يُريد أَنْ يَشدّ عَلى عُنقه جَرَسًا؛ مِن مَعَاشِر الفِئرَان)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: أَتمنَّى أَنْ لَا نَكون كالفِئران، نَطرح الحلُول التي يَستَحيل تَطبيقهَا..!!

أخبار ذات صلة

اللا مركزية.. بين القصيبي والجزائري
الصناعة.. وفرص الاستثمار
ما الذي يفعله ذلك الزائر السري؟
نظرية الفاشلين!!
;
رؤية المملكة.. ترفع اقتصادها إلى التريليونات
أوقفوا توصيل الطلبات!!
نواصي #حسن_الظن
قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
;
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
;
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني