البرهان في يوميات المشي في القرآن - 2

مَازلنَا نُواصِل استخلَاص واستقرَاء أَبرَز النّقَاط، التي وَرَدَت فِي بَحث: (المَشي فِي القُرآن الكَريم: أَنوَاعه وأَغرَاضه وبَعض دَلَالَاته)، للبَاحث الأُستَاذ «سمير علي محمد غياث»، وسنُكمل فِي هَذه اليَوميَّات مَا بَدأنَاه مِن قَبْل:

(الأحد): قَال تَعالَى: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾. ويُقصد بذَلك مَشي القَصْد، والتَّوسُّط والاعتدَال، حَيثُ يَقول صَاحِب تَفسير «ابن كثير»: (امشِ مَشيًا مُقتصِدَاً، لَيس بالبَطيء المُتثبّط، ولَا بالسَّريع المُفرِط، بَل عَدلاً وَسطًا بين بين). ويَقول «أنس بن مالك» -رَضي الله عَنه-: (كَان رَسُول الله صلَّى الله عَليه وسلَّم أَزهَر اللَّون، كَأن عِرقه اللُّؤلؤ، إذَا مَشَى تَكفّأ)..!


(الاثنين): قَال تَعالَى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾. يَقول البَاحث «غياث»: (الأَمر فِي قَوله تَعَالَى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ للإبَاحَة، ولَكن التَّقديم لهَذا الأَمر بقَولهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً﴾، فِيهِ امتنَان مِن الله عَلَى خَلقهِ، مِمَّا يُشعِر أنَّ فِي هَذا الأَمر مَع الإبَاحَة، تَوجيهاً وحَثًّا للأُمَّة عَلَى السَّعي والعَمَل والجِد، والمَشي فِي مَنَاكِب الأَرض مِن كُلِّ جَانِب؛ لتَسخيرهَا وتَذليلهَا؛ مِمَّا يَجعل الأُمَّة أَحقُّ بِهَا مِن غَيرهَا)..!

(الثلاثاء): قَال تَعَالَى: ﴿مشّاءٍ بنَميم﴾. يَقول الإمَام «المَاوردي البَصري»، صَاحِب كِتَاب «النُّكت والعيُون»: إنَّ لتَفسير هَذه الآيَة وَجهين: (أَحدهمَا: الذي يَنقِل الأَحَاديث مِن بَعض النَّاس إلَى بَعض، قَالَه قتَادة. الثَّاني: هو الذي يَسعَى بالكَذِب، ومِنه قَول الشَّاعِر:


ومَوْلى كبيْتِ النَّمل لَا خَير عِنده

لمَولَاه إلَّا سَعيه بنَميم..!

(الأربعاء): قَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِى الاٌّرْضِ مَرَحًا﴾. يَقول الإمَام «الشَّنقيطي» -رَحمه الله- صَاحب كِتَاب «أَضوَاء البيَان فِي تَفسير القُرآن بالقُرآن»: (استدلّ بَعض أَهل العِلم بقَولهِ تَعَالَى؛ عَلى مَنع الرَّقص وتَعَاطيه؛ لأنَّ فَاعله مِمَّن يَمشي فِي الأَرض مَرحاً)..!

(الخميس): قَال تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. قَال «القُرطبي» -رَحمه الله-: (المَشي عَلَى البَطْن للحيَّات والحوت، ونَحوه مِن الدُّود وغَيره، وعَلى الرِّجلين للإنسَان والطِّير إذَا مَشَى، والأَربَع لسَائر الحيوَان)..!

(الجمعة): قَال تَعَالَى: (ومِنهم مَن يَمشي عَلَى أَربَع). أَضَاف الإمَام «الشَّنقيطي» مَعلومَة جَديدَة حَول هَذه الآيَة، استنتجهَا مِن مُصحف «أبي بن كعب» -رَضي الله عَنه-، حَيثُ يَقول: (وفِي مُصحف أُبي «ومِنهم مَن يَمشى عَلَى أَكثَر»، فعَمَّ بهَذه الزِّيَادَة جَميع الحيوَان، كالسَّرطَان والخشَاش، ولَكنّه قُرآن لَم يُثبته إجمَاع، لَكن قَال النقَّاش: إنَّما اكتَفَى فِي القَول بذِكر مَا يَمشِى عَلَى أَربَع، عَن ذِكر مَا يَمشِي عَلَى أَكثَر، لأنَّ جَميع الحيوَان إنَّما اعتمَاده عَلَى أَربَع، وهى قَوَام مَشيه، وكَثرة الأَرجُل فِي بَعضه زِيَادَة فِي خِلقته، لَا يَحتَاج ذَلك الحيوَان فِي مَشيه إلَى جَميعهَا. قَال ابن عَطية: والظَّاهر أَنَّ تِلك الأَرجُل الكَثيرَة، لَيسَت بَاطِلا، بَل هي محتَاج إليهَا فِي تَنقُّل الحيوَان، وهى كُلّهَا تَتحرَّك فِي تَصرُّفه. وقَال بَعضهم: لَيس فِي الكِتَاب مَا يَمنَع مِن المَشي عَلَى أَكثَر مِن أَربَع، إذْ لَم يَقُل لَيس مِنهَا مَا يَمشِي عَلَى أَكثَر مِن أَربَع. وقِيل فِيهِ إضمَار: ومِنهم مَن يَمشِي عَلى أَكثَر مِن أَربَع، كَمَا وَقَع فِي مُصحف أَبي، والله أَعلَم)..!

(السبت): قَال تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾. قَال «البيضَاوي» فِي تَفسير: ﴿وقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ﴾: (أَي مَا لِهَذَا الذي يَزعُم الرِّسَالَة، وفِيهِ استهَانَة وتَهكُّم ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ كَمَا نَأكُل، ﴿ويَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ﴾ لطَلَب المَعَاش كَمَا نَمشِي، والمَعنَى إنْ صَحَّ دَعوَاه، فمَا بَاله لَم يُخَالف حَالُه حَالنَا؛ وذَلك لعَمَهِهم وقصُور نَظرِهم عَلَى المَحسُوسَات؛ فإنْ تَميَّز الرُّسُل عَمَّن عَدَاهُم، لَيس بأمُورٍ جُسمَانيَّة، وإنَّما هو بأَحوالٍ نَفسَانيَّة، كَمَا أَشَار إليهِ تَعَالَى بقَوله: ﴿قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ﴾..!!

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»