اللغة .. من ابن جنِّي إلى سوسيور!!

تتنوع تعريفات اللغة وتتباين أحياناً وفقاً للتطور الفكري عبر التاريخ، ووفقاً لموقف العلماء من اللغة وتقديرهم لوظيفتها. لكن تعريف ابن جني لها بأنها «أصوات يعبر بها كل قومٍ عن أغراضهم»، يعد واحداً من أشهر التعريفات المتداولة لعلماء اللغة العرب. كما ذهب ابن خلدون إلى أن «اللغة -في المتعارف عليه- هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلابد أن تصير ملكة مقررة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحهم». ويلاحظ كيف يتفق العالمان في تعريفهما على الطبيعة الصوتية للغة، وعلى الوظيفة الاتصالية التي يسندها لها جماعة من البشر، وقد روي عن ابن سنان الخفاجي أنه عرّف اللغة بقوله: «ما تواضع القوم عليه من الكلام».

ويرى بعض الباحثين مثل رضوان القضماني وأسامة العكش «أن التواصل اللسانيّ سيرورة اجتماعية مفتوحة على الاتجاهات كافة؛ إذ لا تتوقف عند حد بعينه، بل تتضمن عدداً هائلاً من سلوكيَّات الإنسان السيميائية تتمثل في: اللُّغة والإيماءات، والنَّظرة، والمحاكاة الجسدية، والفضاء الفاصل بين المتحدثين، وعليه لا يمكن الفصل بين التواصل اللفظي، والتواصل غير اللفظي السيميائي؛ لأن الفعل التواصلي هو فعل كليّ».


لذلك فإن التطور الذي شهده علم اللغة في العصر الحديث، منذ محاضرات فيرديناند دوسوسيور، أضاف للغة أبعاداً مهمة، ابتداء من إعادة تعريف اللغة، مروراً بالتركيز على وظيفتها الاتصالية وأهميتها في التطور الإنساني.

يعرف سوسيور اللغة بأنها «نظام من الإشارات التي تعبر عن أفكار». ويفرق بينها وبين الكلام باعتبارها نظاماً من القواعد المستقرة تجريدياً في ذهنية جماعة من الناس، بينما يمثل الكلام الاستخدام الفردي الذي ينتقي من هذه اللغة ما يناسبه ويتفق مع أغراضه. يقول سوسيور إن اللغة والكلام «يعتمد أحدهما على الآخر، مع أنَّ الُّلغة هي أداة الكلام وحصيلته، ولكنَّ اعتماد أحدهما على الآخر لا يمنع من كونهما شيئين متميِّزين تماماً».


ويؤكد الباحث اللغوي محند الركيك أن سوسيور»أول بنيوي يؤسس لنظرية التواصل من داخل اللسانيات البنيوية، حيث استطاع أن يزاوج بين النزعة البنيوية الأرتدوكسية والانفتاح على المجتمع باعتباره المكان الطبيعي الذي ترعرع فيه التواصل؛ وما يدعم توجهه المنفتح على العلوم الاجتماعية (علم الاجتماع، علم النفس...) هو تلك الموازنة التي أقامها بين اللغة كملكة فطرية بشرية، واللسان كمؤسسة اجتماعية، ثم الكلام باعتباره نشاطاً فردياً».

لقد فتح سوسيور الباب واسعاً للغويين والنقاد من بعده كي يتوسعوا في دراسة البعد الاتصالي للغة كنشاط إنساني اجتماعي، أو كما يصفها لغوي بارز مثل روبرت هل بأنها -أي اللغة- «نمط اجتماعي منظم يتواصل بها البشر ويتفاعل بها الواحد مع الآخر بواسطة الرموز الاعتباطية المسموعة- المنطوقة المعاد استخدامها».

أخبار ذات صلة

الإسعاف على الطريقة السعوديَّة..!!
الصين وكرة السلة
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في المملكة (2)
انحراف «المسيار» عن المسار!!
;
مشاهد غير واعية
جمعيات لإكرام الأحياء
هل أصبح ديننا مختطفًا؟!
حفر الباطن تحتفي بضيفها الكبير
;
كن غاليًا في الوطنيَّة
الدكتاتورية الناعمة !
القراءة الورقية.. وأختها الرقمية!!
هل بين الحفظ والتفكير تعارض؟
;
حكاية أشرقت.. فأنورت وأبدعت
دبلوماسيتنا العامة بين النظرية والتطبيق
البنات..!!
أملٌ.. يُضيء لنا الطريق