الدليل الرابط إلى الذوق الهابط!!

• في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وعندما كانت ظاهرة (أحمد عدوية) تكسّر الدنيا وتشغل الناس بأغنيات (سلامتها أم حسن) و(السح الدح امبو) التي كانت تنتقل انتقال العدوى بين صفوف وشرائح المجتمع المصري والعربي، وتحقق الملايين رغم فجاجتها وسخافة كلماتها.. في عز ذلك التوهج (للتفاهة) اتخذ التلفزيون المصري قرارًا شجاعًا وجريئًا وحازمًا في آن، وذلك بمنع ظهور (عدوية) وكل ما يمت إليه بصلة على شاشته مطلقًا، بحجة خدشها للذوق العام، وحرصًا منه على ذائقة الأطفال من التردي والهبوط، وحماية للأسرة المصرية من الهشاشة والسطحية في زمن الانفتاح.

• هذا القرار الشجاع والمسؤول الذي ساهم بالفعل في تقليل آثار ثقافة (كركشنجي ذبح كبشه) (وحبه فوق وحبة تحت) جاء إدراكًا وتفهمًا من كون التلفزيون جهاز تنوير حكومي؛ تدخل برامجه كل البيوت بلا استئذان، وسقوطه في أوحال الهشاشة والسطحية له آثار مدمرة على المجتمع، كان هذا قبل أن ينتقل خطام الثقافة من أيدي النخب إلى أيدي التجار ورجال المال، وقبل أن تخترق الفضائيات والإنترنت حرمات منازلنا لتفرغ غثائها دون استئذان، وقبل أن يصبح لكل إنسان تلفزيونه الخاص الذي يستطيع منه (مهما كانت موهبته متردية؛ ومهما كانت نوعية محتواها) أن ينفث في روع أبنائنا ما يريد، وأن يخاطبهم بلغة (الصامولي) و(الدب) و(أبوحمدان).


• الجماهيرية لا تعني الجودة بالضرورة.. وإذا كانت الأعمال الأدبيّة والفنيَّة والفكريّة رفيعة المستوى تحتاج إلى اهتمام نقدي وإعلاميّ، وتشجيع على مطالعتها؛ فإنَّ الحاجة تبدو ملحة أكثر إلى الكشف عن الأعمال الثقافية الرديئة والتحذير منها بل ومحاربتها، وأذكر أن بعض المجلات كانت تضع بابا اسمه «دليل القارئ إلى الكتاب الرديء». وفيه يتم التعريف بعناوين الكتب الرديئة، وأسماء مؤلفيها؛ مع موجزٍ نقديّ لأسباب رداءتها.

• أحيانا يعن في خاطري سؤال: لماذا نهتم كثيرًا بمنشورات ونصائح وتوجيهات هيئات الغذاء والدواء ونحرص على اتباعها بكل دقة؟ هل نفعل ذلك حرصاً على سلامة وصحة أجسادنا من تلك المنتجات الضارة والمغشوشة والفاسدة؟! حسناً.. لماذا لا ندرك أيضاً أن المنتجات الثقافية الرديئة (كتاب، قصة، فيلم، مسرحية، أغنية.. ) لا تقل خطراً ولا ضرراً عن الدواء أو الغذاء الفاسد، كونها تُؤثِّر سلباً في عقول الناس، وتُشوّه أرواحهم، وتفسد أذواقهم.


• في ظلّ هذا الانفلات الإعلامي العربي، وغياب لجان القراءة والتقييم، يجب علينا الشعور بأكثر من نظرات الشفقة على الأجيال الشابة التي تُواجه طوفاناً مخيفاً من الكتب والأغنيات والمحتويات الهابطة التي تجتاحنا تحت دعاوي التجديد والإبداع وحرية التعبير.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»