المجاعات تفتك بالجماعات

تَوَالَدت وتَحرَّكت مَا يُسمَّى بـ»ثَورَات الرَّبيع العَربي» -وغَيرهَا مِن الثَّورَات حَول العَالَم- بسَبَب المَجَاعَات. ولأنَّ أَكثَر دوَل الثَّورَات لَم تُحَارب الجُوع، اضطرَّت إلَى مُحَارَبة الجِيَاع.. وخَيرُ مِثَال عَلَى السَّاحَة الآن، مَا يَدور فِي السُّودَان..!

مِن هَذَا البَاب، يَجب أَن نَمرُّ عَلَى الثَّقَافَات العَالَميَّة، ونَستَطلع مَا قَاله فَلَاسفتُهَا وأُدبَاؤهَا عَن الجُوع، وتَأثيره عَلَى السِّلْم الاجتمَاعي، واستقرَار الدّول..!


فالدّوَل الرَّاقيَة؛ هي التي تُوفِّر الخُبز للجِيَاع، ولَكن هُنَاك دولٌ أَرقَى مِن الرُّقيِّ نَفسه، لَم يَعُد مُواطنوهَا يَعرفون عَن الجُوع؛ إلَّا مَا يَرِد فِي نَشرَات الأَخبَار؛ عَن المَجَاعَة فِي إفريقيَا، وهَذا الرّفَاه الاجتمَاعي؛ الذي تَنعَم بِهِ بَعض الدّول، تَنبَّأ بِهِ القدِّيس «أوغسطينوس»؛ قَبْل مِئَات السِّنين، حِينَ قَال: (جَميل أَنْ يُعطَى الجَائِع خُبزاً، وأَجمَل مِنه أَنْ لَا يَكون ثمَّة جَائِع)..!

فالجُوع -حَول العَالَم- هو أَحَد إفرَازَات غِيَاب القَانُون، والفَوضَى فِي تَطبيقه، فالقَانون والجُوع مُشكِلَتَان؛ تُنتج كُلُّ وَاحِدةٍ مِنهُمَا الأُخرَى، وفِي ذَلِك يَقول الفَيلسوف «طاغور»: (حَيثُ يَعمُّ الجُوع، لَا يُرعَى للقَانون حُرمَة. وحَيثُ لَا يُرعَى للقَانُون حُرمَة، يَعمُّ الجُوع)..!


وإذَا أَردتَ أَنْ تَبنِي سَلَاماً؛ فِي أَي مُجتَمعٍ، فعَليكَ بتَوفير أوّل عَلَامَة مِن عَلَامَات الاستقرَار، وهي وَفرة الخُبز، وقَد قَال أَحَد الأُدبَاء: (الخُبز هو السَّلَام، هو الاستقرَار وهو النِّظَام، ولَا سَلَام مَع الجُوع)..!

وإيَّاك إيَّاك؛ أَنْ تُسدِي نَصيحَة أَو مَوعظة للجَائِع، لأنَّه فِي تِلك السَّاعَة، لَا يُفكّر إلَّا فِي مِعدَتهِ الخَاويَة، التي تُشكِّل عِبئاً عَليه، فالمَوَاعِظ لَهَا وَقتَهَا، حَيثُ يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (المَعدَة الخَاويَة، لَا تَستَطيع أَنْ تَهضم النَّصَائِح الأَديبَة، والكَلِمَات الخَالِدَة، لأنَّ البطُون الجَائِعَة لَيس لَهَا آذَان)..!

فإذَا شَعرَ الإنسَان بالجُوع، فسيَتحوَّل إلَى وَحشٍ كَاسِر، وعَلينَا أَنْ نَتوقَّع صدُور أَي فِعلٍ مِنه، وقَد سَبقنَا إلَى هَذه الفِكرَة؛ الصَّحَابي الجَليل «أبوذر الغفاري»، حِينَ تَسَاءَل قَائِلاً: (عَجبتُ لمَن لَا يَجد القُوت فِي بَيتهِ، كَيف لَا يَخرُج عَلَى النَّاسِ شَاهِرًا سَيفه)..؟!

فغيَاب العَيش الكَريم لأَي مُجتَمع، مِن المَآسي القَديمَة، التي تَعيشهَا العَديد مِن المُجتمعَات، فإذَا رَأيتَ رَجُلاً فَاحِش الثَّرَاء، فتَأكَّد أَنَّ بجوَارهِ رَجُلاً مُفلِسًا مِن الفُقرَاء، وقَد فَطِنَ لذَلِك الإمَام «علي» -كَرَّم الله وَجهه- فقَال: (مَا جَاع فَقير؛ إلَّا بِمَا مُتِّع غَنيٌ)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّ الجُوع والمَجَاعَة؛ دَفع النَّاس فِي بُلدانِهَا إلَى الثَّورَات، ومَنحهم خَاصيّة الجرأَة، وهَذا لَيس فِي عَالَم الإنسَان فَقَط، بَل هو أَيضاً سلُوك مِن سلُوكيَّات الحَيوَان، وفِي ذَلِك يَقول المَثَل التُّركي: (الكَلبُ الجَائِع لَا يَخَاف الأَسَد)..!!

أخبار ذات صلة

هل التجنيد العسكري هو الحل؟
حصاد الخميس..!!
أهالي شدا الأعلى والتعاون المثمر
خيارات المسيَّر: ملكوت الشعر وجنونه
;
علامات بيولوجية جديدة للكشف عن السرطان
معيار الجسد الواحد
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في بلادنا
دراسة الرياضيات
;
«يا أخي الهلاليين لعيبة»!
الضحايا الصغار.. وغفلة الكبار
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (3-3)
جامعاتنا.. ونموذج أرامكو في التأثير المجتمعي
;
لا حج إلا أن يكون بأرضها!!
إسرائيل.. كلبٌ بأسنانٍ حديدية
ابنك النرجسيُّ.. مَن يصنعُهُ؟!
قرار حكيم.. «الآن تنطقون» ؟!