قبل أن يتحول قياس إلى أداة لتكريس الطبقية!

• بداية.. لابد من القول: إنني من المؤمنين جداً بضرورة وجود المركز الوطني للقياس والتقويم؛ وبأهمية خدماته التي تعد أدوات صادقة ودقيقة إلى حد بعيد؛ في تحديد القدرات والمستويات والكفايات اللازمة في الكثير من المواقع، وهو -على أية حال- ليس بدعاً سعودياً خالصاً، بل هي أنظمة عالمية تعمل بها معظم دول العالم تقريباً.. غير أن إيماني هذا مشروط بعدم تأثر هذه الأدوات -وقُل إن شئت المحددات- بأي مؤثر خارجي، قد يُشوّش عليها؛ أو يُؤثِّر في صدقية نتائجها، خصوصًا المؤثرات المالية والتجارية.

• والمتابع للمشهد التعليمي والوظيفي في السعودية (الذي بات يبالغ كثيراً في استخدام قياس) لابد أنه قد لاحظ النزعة التجارية غير المقبولة، والسوق الكبير الذي باتت تُشكِّله اختبارات قياس والكفايات، بدءاً من عند (الملازم) الصغيرة، وليس انتهاءً بالمعاهد وقروبات التدريب الضخمة التي تضم آلاف الأشخاص، مروراً بالدورات الإلكترونية والكتب والفيديوهات وهلم استنزافاً.. والتي أصبحت مجالا خصبا للتربُّح لكل من هب ودب.


• لاتقف خطورة هذه الأموال عند استنزافها غير الإنساني لجيوب العاطلين والطلاب وذويهم من الآباء المشفقين، بل الأخطر -وأرجو ان أكون قد هيّأتك له- أنها تضرب مصدافية (قياس) نفسه، حين تُجرِّده من أهم مميزاته، ألا وهي النزاهة؛ والقدرة على التمييز والفرز الصائب، بعد أن أصبحت الغلبة هنا للمال والقدرة المالية، لا للقدرة الشخصية العلمية أو المهارية للأفراد.. وهنا الكارثة!.

• في معظم دول أوروبا تمنع القوانين إنشاء المدارس الأهلية؛ خوفاً من تفشِّي الطبقية، وعندما يحيد (قياس) الذي من المفترض أن يكون أداة أمينة لتصنيف وإنصاف الكفاءات؛ ويتحوَّل بفعل المال إلى أداة بشعة للفرز الطبقي، فإنه يصبح من الواجب علينا فعل ما هو أكثر من الشعور بالفزع، فمَن يملك القدرة المالية العالية للالتحاق بالدورات الخاصة (النخبوية)، أو يستطيع جلب المدرسين والمدربين الخصوصيين، أصبح باستطاعته تجاوز هذا (العائق) بسهولة، ومن لا يستطيع فعليه تسجيل اسمه في قوائم الانتظار، بمنطق: (من يدفع أكثر يتجاوز قياس بدرجة أكبر)، فتختل المعادلة، وإن غضب الفقراء!.


• من المهم جداً نزع كل الشوائب التجارية عن قياس، والقضاء على كل أسواق الابتزاز الموازية لاختباراته.. ولكي يتحقق هذا الهدف، فإنه من الواجب مراعاة أن تكون جميع اختبارات مركز القياس مجانية أولاً، بالإضافة إلى تقليص نسب هذه الاختبارات في مفاضلات التوظيف والقبول الجامعي، حتى لا يتحوَّل إلى (بعبع) أو (فزَّاعة) يبتزنا بها المرجفون ومعدومي الضمير .

• «قياس»، أداة مهمة وضرورية جدا، ستحولها النزعة التجارية إلى خطرٍ يُهدِّد النزاهة العلمية والوظيفية، بل ويمتد تهديده حتى تركيبتنا الاجتماعية والأخلاقية.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»