استخراج الإيجابيات من حفرة السلبيات

تَعوَّدتُ أَنْ أَنظُر إلَى الأَشيَاءِ الإيجَابيَّة؛ فِي كُلِّ الأَحدَاث التي تَمرُّ عَليَّ فِي الحيَاة، وأَعتَقد -وبَعض الاعتِقَاد لَيس إثمًا- أَنَّ كَثيراً مِن الأمُورِ السَّلبيَّة؛ التي تَحدُث لَنَا فِي حيَاتِنَا، تَحمِل فِي جَوَانبهَا أَشيَاءً إيجَابيَّة، ولَكن تَركيزنَا عَلَى السَّلبيَّات، يَحرمنَا مِن التَّنعُّم في الإيجَابيَّات، أَو إدرَاكهَا.. وسأَضرِب المِثَال حَتَّى يَتَّضح المَقَال:

كَمَا يَعرف الكَثيرون، فإنِّي وُلِدتُ يَتيماً، وقَد أخبَرتنِي أُمِّي -رَحمهَا الله- بأنَّهَا بَعد أَنْ وَضعَتنَي عَلى أَرض هَذه الدُّنيَا؛ قَالَت: تَمنَّيتُ أَنْ تَمُوتَ حَتَّى لَا تُعَانِي فِي الحيَاة؛ مِن أَلَمِ الفَقر واليُتم، هَكَذا قَالَت أُمِّي -رَحمهَا الله-، ولَكن عِندَمَا كَبرتُ، بَدَأتُ أُفكِّر مِن زَاوية أُخرَى.. نَعم أَنَا يَتيم، واليُتم فِيهِ حِرمَانٌ وفُقدَانٌ لرُكنٍ كَبير؛ مِن أَركَان الأُسرَة، وهو الأَب. ولَكن، هَل هَذا هو كُلّ مَا فِي اللَّوحَة، أَمْ أَنَّ بِهَا جَوَانِب أُخرَى إيجَابيَّة..؟!


لقَد أَعطَاني اليُتم أَشيَاءً كَثيرَة، مِنهَا: أَنَّ أُمِّي -رَحمهَا الله- وهي الدُّنيَا الصُّغرَى لِي، قَد ربَّتني وأَحسَنَت تَربِيَتي، كَمَا أَنَّ الدُّنيَا الكُبرَى؛ وهِي الحيَاة، التي اعتَبرهَا أُمِّي الصُّغرَى، قَد أَدَّبتنِي فأَحسَنَت تَأدِيبِي..!

ثَانيًا: فُقدَان أَبِي جَعلَني أَتنقَّل بَين المُدن، وأتعرَّف عَلَى مَعَالمهَا، حَيثُ أَرحَل مِن مَدينةٍ إلَى أُخرَى، ومِن مَدرسةٍ إلَى أُخرَى، بَحثاً عَن الأَفضَل، فقَد تَربّيتُ بجوَار عمِّي «حسين» -رَحمه الله-، ثُمَّ انتَقلتُ للعَيش -لمُدّة سَنوَات- عِند خَالي «إبراهيم» -رَحمه الله- فِي المَدينة المُنيرَة، ثُمَّ انتَقلتُ للعَيش فِي بَيت خَالِي «سليمان» فِي جُدَّة -رَحمه الله-... إلَى غَيرِ ذَلك، ولَو لَم أَكُن يَتيماً، لمَا حَظيتُ بكُلِّ هَذه الفُرَص، وهَذا التَّنقُّل، وهَذا التَّنوُّع فِي المَدَارس والمُدن..!


ثُالِثاً: نَعم، وُلدتُ يَتيماً، وهَذا اليُتم، جَعلَني لَا أَعيش فِي جِلبَاب أَبِي، فأَفكَاري الآن هي حَصيلة إدرَاكي للوَاقِع، وتَجَاربي فِي الحيَاة، لأَنَّني نَشَأتُ وأَنَا أَبحَث عَن الصَّوَاب، بعَكس غَيري، الذي يُملَى عَليهِ الصَّوَاب مِن الأَب، أَو مِن غَيرهِ مِمَّن لَه سُلْطَة عَليه..!

رَابِعاً: إنَّ فُقدَاني لأَبِي، جَعلَني فِي الوَضع السَّليم، مِن حَيثُ البِّر، ولَو أَخذنَا المَوضوع بشَكلٍ افترَاضِي، وتَصوَّرنا أَنَّ أَبي يَعيشُ مَعنَا الآن، فإنَّني مِن المُحتَمَل أَنْ أُقصِّر مَعه، أَو أَقَع فِي مَطب مِن مَطبَّات العقُوق، لِذَلك حِينَ مَات أَبِي وأَنَا جَنين، أَصبَحتُ فِي مَأمَن مِن مغبّة العقُوق، ومَعصية قَول «أُفٍ» لَه -رَحمه الله-..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقَي القَول: يَا قَوم، صَدِّقُوني، إنَّ كُلّ المِحَن تَأتِي مَعهَا المِنَح، وكُلّ بذرَة سَلبيَّة؛ بدَاخلهَا طَاقَة إيجَابيَّة، وكُلّ فَشَل نَمرُّ بِه؛ يَحمَل بدَاخلهِ بذُور النَّجَاح، الأَمر فَقَط يَتوقَّف عَليك، هَل تَستَطيع أَنْ تَستَخلِص مِن مَزرعة اليَأس؛ بَعض الأَمَل، ومِن فَضَاءَات السَّلبيَّات؛ بَعض الإيجَابيَّات؟، نَعم الأَمر عَائِدٌ إِلَيك..!!

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»