كورُونا.. أرضُنا.. سفينتُنا

قبل شهور قليلة كانت أحداث مرض كورونا المستجد (COVID-19) محدودة في الصين بينما باقي العالم يراقب (عن بُعد)، ولكن كورونا الآن وباء عالمي يؤرّق البشر في جميع أنحاء الكرة الأرضية.

إن من أبرز ما يُميّز حضارتنا البشرية المعاصرة هو التقدّم الكبير في وسائل النقل والتواصل، حتى غدا العالم قريةً صغيرةً مترابطة الأجزاء. ولم يعُد من السهل أن يستقل أي جزء من العالم عن غيره سواء اقتصادياً أو ثقافياً أو علمياً أو تربوياً وسلوكياً أو (صحياً)، فكلٌ مُؤثّرٌ ومتأثّرٌ.


الحدث الصحي الذي كان محدوداً بمدينة واحدة في الصين، تطوّر إلى وباءٍ شاملٍ يؤثر على كافة أرجاء الكرة الأرضية، وتجاوز تأثيره الجانب الصحي ليشمل كافة جوانب الحياة.

هذا الترابط الوثيق بين كافة أجزاء العالم ونواحي الحياة المختلفة هو ما يدفعنا للاهتمام بأمور التغيّر المناخي والتنمية المستدامة وغيرها.


وفي سياق هذا الترابط الوثيق و(المصير المشترك) نستذكر حديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام [مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا.. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا].

وإن كان الحديث يُوجّه إلى ضرورة الأخذ على أيدي أصحاب التأثير السلبي (وتقييد حريتهم) حتى لا تنتشر السلوكيات الخاطئة بين أفراد المجتمع، إلّا أن حقيقة ترابط من هم على ظهر السفينة ومصيرهم المشترك تمتد أيضاً إلى تأثّر الجميع وتأثيرهم في كافة جوانب حياتهم السلوكية والثقافية والصحية أيضاً.

لقد أصبح الإنسان الآن أكثر من أي وقتٍ مضى يتأثر بما يدور في أنحاء العالم المختلفة وليس في جواره الجغرافي المحدود فحسب.. وعلى غرار الصحة، فإن المجتمعات البشرية (ركّاب السفينة) أصبحوا أكثر تأثيراً على بعضهم البعض في الثقافة والسلوكيات الشخصية والأخلاق الاجتماعية والاقتصاد والتجارة والتقدّم العلمي بل حتى في أساليب الحياة والبناء والتنقّل ... إلخ.

والعبرة هنا في ملاحظة: أن التقدّم البشري في المجال الصحي مَكّننا، والحمد لله، من اكتشاف الأمراض وقياس أثرها بشكل علمي دقيق بأرقام وبيانات واضحة.. لكننا قد نعجز أن نقيس بنفس الدقة تداعيات انتشار عدوى تدني الأخلاق والسلوكيات أو الانحلال أو ضعف الوازع الديني أو الانجراف نحو الحياة المادية... إلخ.

وكما نحن حريصون على حماية أنفسنا من العدوى الصحية، يجب أيضاً أن نهتم بصحتنا الثقافية والسلوكية والأخلاقية والتربوية والروحية فلا نسمح لأي عدوى سيئة أن تنتشر بين (ركّاب السفينة).. وكما نحرص على تقييد حرية أي فرد ينشر عدوى كورونا عمداً إلى الآخرين، يجب أن نمنع من ينشر الأمراض السلوكية والأخلاقية فليس له في ذلك حرية.

ختاماً: نحمد الله عز وجل أن قيّض لبلادنا ولاة أمرٍ يقومون على إرساء تعاليم الدين القويم لإصلاح حياة الناس المادية والمعنوية.. وندعو المولى عز وجل القادر أن يُزيل هذه الغُمّة عن البشرية جمعاء بأمر كُن فيَكُون.

* رئيس برنامج الملك عبدالله للأعمال الخيرية في البنك الإسلامي للتنمية.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»