لمَن الأرض؟!

لمَن الأرض؟!
"ثقافة الامتلاك" ملأت النفوس منذ القِدم حتى ظن بعض البشر أن الأرض خُلِقت لأجلهم وحدهم فقط، متناسين أن هذا الكوكب هو مكان مشترك بين جميع الكائنات الحية، ولها حق العيش فيه بأمان وسلام بجوار الكائن البشري لتكتمل الحياة بصورة طبيعية في رحم المنظومة الكونية.

من المؤسف أن بعض البشر قاموا باحتكار كوكب الأرض؛ وكأنهم امتلكوا صكوكاً تثبت ملكيته لبني جنسهم وألغوا حق باقي الكائنات الأخرى عليه، فقاموا بممارسات اضطهادية ضد الكائنات الضعيفة كما حدث في أوروبا خلال فترة العصور الوسطى؛ حين أصدرت الكنيسة الكاثوليكية قراراً بإبادة جميع القطط فما كانت نتيجة ذلك القرار التعسفي! حيث يؤكد العديد من المؤرخين أن ذلك القرار قد أدى إلى تراجع كبير في أعداد القطط بأوروبا، ما قابله من تزايد سريع لأعداد الفئران والجرذان التي ساهمت في نشر وباء الطاعون الأسود الذي تسبب بدوره في وفاة نحو ثلث سكان القارة الأوروبية.


وفي وقتنا الحاضر مارست عدة دول نفس القرار بإبادة بعض الكائنات الحية بهدف الحفاظ على الأرض من ساكنيها! أليست تلك صورة يتجلّى فيها التجبُّر في الأرض وتملُّكها بغير وجه حق؟ وهل ضمنوا الاحتماء من عدالة السماء؟

وفي جانب آخر أشارت دراسة مهمة نشرتها مجلة "ساينس" الأمريكية المهتمة بتقدم العلوم إلى أن غالبية أنواع الحيوانات تراجعت بأكثر من 50 في المئة عن معدلاتها السابقة نتيجة اضطهاد الإنسان لها، وقال الباحثون في الدراسة: إن انقراض الحيونات وحتى المفترسة منها سيتسبب بأضرار ضخمة على النظام البيئي حول العالم، وشدد كبير الباحثين والمشرف على الدراسة الدكتور وليام ريبل "على أن الحيونات لها كامل الحق في الحياة، وأنها تقدِّم مجموعة خدمات قيمة (اقتصادية وبيئية) أثبتتها دراسات سابقة، منها امتصاص الكربون، وإسهامها في التنوع البيئي، ومكافحة الأمراض والتي يجب أن يقدّرها الناس".


ومع التفوق البشري والتقدم التكنولوجي والعلمي تحول البعض من البشر إلى "Robot" آلي، فقدوا احساسهم بمن حولهم من كائنات أخرى تشاطرهم الأرض وظنوا أنهم الأقوى، فإذا بفايروس غير مرئي حاصرهم وأعاد إليهم جزء من وعيهم المفقود وكشف الغطاء عن ضعفهم وعجزهم، ولم يكتفِ "فايروس كورونا" بالخسائر الفادحة وكمية الرعب الذي بثه في النفوس البشرية بل عاد اليوم متحوّراً في سلالة جديدة كتحدٍ جديد يحمل شعار التمرد والقهر للجنس البشري.

فالانسان مهما ظن أنه قوي فما هو إلا مخلوق ضعيف لا يملك من العلم إلا قليلاً ولولا رحمة الله به لهلك نتيجة افساده وتدميره للأرض التي أمرهُ الله بعمارتها؛ والعمارة هنا لا تقتصر على عمارة المباني والتقدم والتطور العلمي بل تشمل عمارة الأرواح وتغذيتها بالتسامح والتعايش الأخلاقي مع كافة سكان الأرض.

الرحمة صفة نبيلة يمكن اكتسابها وتعلمها، فإن لم تشعر بها داخلك وتتخلل أنحاء قلبك وتُنعش وعيك تجاه الكائنات الضعيفة فاصنعها أنت بنفسك واحقنها داخل أوردة روحك وعلِّمها أبناءك ولا تجعل القسوة والجفاء يتخللان قلبك حتى يسوَّد وينسكب كالنار على كل من حوله فيحوله إلى هشيم دون رحمة؛ فإيذاء الحيوانات وقطع الأشجار وتلويث البحار والاسراف في الاستهلاك المؤدي إلى زيادة التصنيع جميعها تؤدي إلى ارتفاع معدل الملوثات البيئية واختلال التوزان البيئي وجمود الانسانية وجميعها مُهددة للكرة الأرضية ونظامها الكوني المتناسق.

فالازدهار العلمي والتكنولوجي خَلَق مدنًا متقدمة صناعياً ومتأخرة انسانياً مما انعكس أيضاً على تشكيل سلوكيات سكانها فأصبحوا أكثر شبهاً بصلابة وجمود العمران والمباني التي شيدوها بأيديهم، والحقيقة أنه لا وجود لحضارة دون أخلاق وإنسانية.

وقد اثبتت المملكة العربية السعودية حرصها على الحفاظ على الحياة البرية وحمايتها من الانقراض حيث أصدرت مؤخراً عدة قرارات صارمة لحماية الحياة البرية وفرضت غرامات مادية على مخالفات صيد الحيوانات البرية تصل إلى الآلاف من الريالات، لردع كل من يتجرَّد من الانسانية وتسوِّل له نفسه قتل تلك الأرواح البريئة دون وجه حق، وذلك دليل على الحرص الكبير من قادتنا -حفظهم الله- على حماية البيئة من أيدي العابثين وتحقيق التوازن البيئي لتنعم جميع الكائنات في أرضها الطاهرة بالعيش بأمان.

وقد طرحت الأستاذة القديرة حليمة مظفر في مقال سابق لها بعنوان: (الحيوانات الضالة - كي نحقق بها الأمن والتوازن البيئي) اقتراحًا إنسانيًا عميقًا لو طُبِّق لسمونا في سماء الإنسانية بأجنحة الرحمة وهو "إنشاء مراكز بيطرية متخصصة لإيواء وتدوير وفرز هذه الحيوانات تتلقى بلاغات المواطنين والمقيمين عنها، وتخصيص فرق عمل وإنقاذها بسيارات مجهزة متجولة" أضم صوتي لها وأضيف أيضاً الاتجاه نحو تخصيص محميات طبيعية خاصة لكافة أنواع الحيوانات المنتشرة في الأحياء والطرقات، لتعيش حياتها بصورة طبيعية في بيئة آمنة بعيداً عن أيدي البشر .

وختاماً، املأ قلبك بالرحمة وانظر إلى الكائنات الأخرى كشركاء لك على الأرض، وكُن انساناً فقد امتلأت الكرة الأرضية بما يكفي من البشر.

أخبار ذات صلة

جدلية العلاقة بين الحداثة والتراث
جدلية العلاقة بين الحداثة والتراث
أيها الأبناء اتقوا الله في آبائكم
أيها الأبناء اتقوا الله في آبائكم
أَبشِر
بدر الوطن
بدر الوطن
;
النيَّة وجغرافية الحدث
النيَّة وجغرافية الحدث
البعد التاريخي والثقافي للأطباق السعودية
البعد التاريخي والثقافي للأطباق السعودية
المقاهي الشعبية في ينبع قديمًا
المقاهي الشعبية في ينبع قديمًا
تصحيح المسار ومعالجة الأخطاء
تصحيح المسار ومعالجة الأخطاء
;
رحمك الله أبا أسامة.. إلى جنة الخلد
د. عبدالله المعطاني: إضاءات وإضافات
د. عبدالله المعطاني: إضاءات وإضافات
"المياه": مشروع صرف صحي "الشفا" ضمن اهتمامات الشركة المستقبلية
ذوو الإعاقة: مقترحان للتقاعد والإسكان
ذوو الإعاقة: مقترحان للتقاعد والإسكان
;
التكريم في المدارس
التكريم في المدارس
وقفات مع رحيل الأديب عبدالله المعطاني
وقفات مع رحيل الأديب عبدالله المعطاني
ما يتم إنفاقه لا يعود مرة أخرى!!
ما يتم إنفاقه لا يعود مرة أخرى!!
عقلها ناقص!!
عقلها ناقص!!