كتاب

إتقانك.. هو عنوانك الذي سيتحدث عنك!

في أحد المؤتمرات الصحفية للرئيس الأمريكي (أندرو جونسون)؛ حاول أحد الصحفيين إحراجه بالسؤال عن مهنته السابقة، بوصفه قد عمل في بداية حياته حِرَفياً. المفاجأة أن (جونسون) لم يرتبك ولم يخجل من ماضيه المهني، بل أجاب بهدوء وثقة: «هذا لا يزعجني يا عزيزي؛ فمن عادتي إتقان كل عمل أقوم به، وعندما كنت خياطاً، اشتهرت بكوني خياطاً جيدًا، ألتزم بالجودة ودقة المواعيد مع الجميع، وهذا ما أكسبني سمعة جيدة قد تكون السبب في وصولي إلى هنا».

لقد أعطي الرئيس/ الخياط (جونسون) بهذا الرد البليغ درساً مهماً للجميع، مفاده أن إتقان العمل مهما كان نوع العمل وحجمه هو أفضل عنوان يمكن أن تُقدِّمه للآخرين، كما أنه - وأعني الإتقان - أفضل جاذب للفرص، بل إنه يمكن أن يوصلك لأبعد من أحلامك بكثير.


من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الشباب، التهاون في أداء بعض الأعمال البسيطة في بداية حياتهم، واعتبارها مجرد محطات مؤقتة غير مهمة ولا تأثير لها على مسيرتهم العملية، بل يجب نسيانها، وهذا خطأ كبير، فهذه الأعمال الصغيرة تُمثِّل فرصاً ذهبية لإبراز الشخصية والمهارات والإمكانات الشخصية، وهي أشبه ما تكون بمنصة انطلاق صاروخية، ربما توصلك إلى أكثر مما تتوقع بكثير، إن أنت أحسنت التعامل معها، فكل عمل تتحرى فيه الدقة والأمانة والجودة هو عنوان لك، بل هو أفضل (CV) وسيرة ذاتية ومهنية تتحدث عنك، بغض النظر عن حجم العمل وطبيعته، فقط اعمل بحب وصدق، وكأن هذا العمل هو عملك الأبدي والوحيد.

يقول أحد الكُتّاب العرب في مذكراته: فتشت وبحثت كثيراً عن سر النهضة اليابانية العملاقة التي أدهشت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، بل أنني ذهبت لبلاد الشمس المشرقة من أجل ذلك، ولم أتوصل للإجابة الشافية إلا بعد أن رأيت ذات ليلة أحد عُمّال النظافة وهو يعمل بكل إخلاص واتقان في أحد الشوارع الصغيرة وشبه المظلمة عند الساعة الثانية صباحاً، كان منظراً لافتاً بالنسبة لي، فالرجل يعمل لوحده بكل إخلاص وجد، وهو متيقن أن أحداً لا يراه، لكنه الإتقان، تلك القيمة التي رفعت اليابان إلى قمة العالم بعد أن حوَّلتها القنابل النووية إلى مجرد ركام.


الاتقان فريضة غائبة عن كثير من مشاهد وتفاصيل حياتنا للأسف، رغم علمنا جميعاً أنه الطريق الأمثل نحو الرضا عن الذات والراحة النفسية، ومعرفتنا كذلك أنه الطريق الأسرع للتميز، والانتقال لما هو أفضل وأكبر وأقرب إلى نفوسنا من وظائف وأعمال.

كن فخوراً ومحبًا لعملك مهما كان حجمه.. اتقنه ما استطعت، فهو ما سيُميِّزك في زمن الازدحام والتشابه، وهو ما سيتحدث عنك حتى في غيابك، وهو ما سيدفعك للأمام ولو بعد حين.

@m_albeladi

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»