Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

بين جبال «السُودة» و«رجال الطيب».. أنتَ كطيرٍ جبلي

A A
«قلبي حبك والله يا أبها.. أنتِ أجمل من الخيال»

ما أن لامست وجهي برودة الهواء الجبلي النقي وأنا أهمُ بالخروج من الطائرة في مطار «أبها» الدولي وإذ لا أصدق أننا في «أغسطس» الشهر الغاضب بصيفه على معظم دول العالم، وأخذتني أغنية طلال مداح «شُفت أبها» إلى مراقصة الغيمات الجنوبية؛ وفيما تخطو خطواتك الأولى داخل المطار الذي يُعتبر أكثر ما استهدفته عصابة مليشيات الحوثي المدعومة من إيران دون أن يهتز فيه حجر واحد، فتمشي بكل طمأنينة تغسل صدرك وكأن هذه العصابة الوضيعة لم تستهدفه يومًا؛ فمطار أبها لا يختلف تمامًا عن جبال السُودة الشامخة التي تُسحرك باخضرار طبيعتها وتدهشك بإنسانها الجبلي الأبي.

لقد زرتُ أبها من قبل بضعة مرات؛ بحكم إقامة أخي سابقًا في «خميس مشيط» لعمله بسلك الدفاع الجوي؛ وفي كل مرة أزورها تجذبني بسحرها، لكن هذه المرة مختلفة في موسم السودة؛ إنها أكثر بهاءً وصمودًا وشموخًا وتحديًا مع إنسانها الجنوبي السعودي للحرب القائمة وللطائرات والصواريخ التي يستهدفها بها الإرهاب الحوثي؛ فلا تشعر إلا بالأمن والاسترخاء مع الطبيعة والمتعة في الامتزاج معها، وأنت تتجول في شارع الفنون «أم سودة» القابع في أعلى قمة جبلية ترتفع أكثر من 3000م عن سطح البحر أو حين تتناول طعام الغداء في مطعم عالمي يوناني وإيطالي مطلا من قمة جبلية تجاورك بالغيم الذي يمرّ بك ويخترق قلبك مغامرة وشغفًا أو الألعاب الجريئة التي جذبت الشباب من الجنسين؛ لقد كان كل شيء جاذبًا في «موسم السودة» حقيقة؛ وتم اختياره بعناية تناسب البيئة الجبلية وطبيعتها والتماهي معها.

فيما «رجال ألمع» التي تسكن أسفل السودة لمعت بما نظمته فيها وزارة الثقافة من نشاط ثقافي فلكلوري أبرز تاريخها في مهرجان «رجال الطيب»، فلا تمتلك إلا أن تقف منبهرًا أمام الحصون الحجرية التي بناها رجال ألمع من جبالها وصمدت تاريخًا عريقًا اهتم به أهل القرية رجالا ونساءً، ليبقى شاهدًا على تراثهم طوال 400 عام؛ وحين تتجول في أرجاء البلدة القديمة إلا ما تشعر بفخر شديد بهذا الثراء الجغرافي والتاريخي والثقافي الذي يحتضنه وطنك الحبيب «السعودية»، فيما ترى المعاصرة تتناغم مع تراث تاريخي أصيل عبر عرض ضوئي نفذته وزارة الثقافة يحكي قصة إنسان القرية الساكن وسط الجبال أسفل السودة ويمضى يومه بين الزراعة والورد نهارًا والغناء ورقصة الخطوة مساءً؛ ولا تمتلك إلا أن تُحلق كطير جبلي حين تستمع لحكايات الأصدقاء الألمعيين الأديب علي مغاوي والشاعر إبراهيم طالع الألمعي وزوجته السيدة مهدية والأستاذ لاحق آل هادي وهم يسردون قصص «رجال الطيب» في حكاية لا يمحوها الزمن.

لقد بذل القائمون على موسم السودة وعلى رأسهم حسام الدين المدني جهودًا مميزة فيما رأيته خلال زيارتي ووجب شكرهم؛ وكل ما أرجوه تطوير الرؤية الاستثمارية في «السودة» لتكون طوال العام؛ وليس «أغسطس» فحسب كونها أقل برودة عن بقية فصول العام؛ ويمكن الاستفادة من تجارب الدول الجبلية الباردة التي باتت سياحتها وثلوجها مصدر دخل قومي لها.

وأخيرًا «لا تلوموني في هواها قبل ما تشوفوا بهاها» أدندنها كطيرٍ جبلي محلق على مسرح طلال مداح -رحمه الله- الذي بات أحد جبال السودة الشامخة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store