Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

حياة «أجاثا كريستي» خارج رواياتها..

A A
كنتُ أبحث عن كتاب اشتريتُه مرة من أحد شوارع القاهرة العامرة، وأجَّلتُ قراءته في ظلّ أعباء الالتزامات، وإذ بي أعود لأيام المراهقة حين وقعت عيناي على روايات قديمة لـ«أجاثا كريستي» روائية التشويق البوليسي الساحرة، والتي نرى كثيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي اقتباساتٍ لها، وربما أكثرُ ما يتداولونه عنها مقولتُها الشهيرة: «أفضل زوج يُمكن للمرأة أن تتزوجه هو عالم آثار؛ فكلما زاد عمرها زاد اهتمامه بها»، إلا أنه يبدو أن كثيرين يعتقدون أنها مقولة عابرة، بينما قالتها حين سُئلت عن سرّ استمرار تعلق زوجها «ماكس» الذي يصغرها واهتمامه بها بعد مرور سنوات طويلة بينهما.

والواقع من اطلع على سيرة حياة «كريستي» سيجدها رواية ساحرة تُضاف إلى رواياتها المحلقة؛ فهذه الإنجليزية الريفية مرّت بتجربتي زواج؛ الأولى: حين كانت في العشرينيات من عمرها؛ ورغم تقدُّم الكثير لها إلا أنها أحبت رجلاً وتزوجته وهو العسكري ارتشي كريستي عام 1914م؛ لكن زواجها لم يستمر وفشل بعد إنجابها ابنتها؛ فحبُّه لامرأة أخرى كان حائلاً بعدم الانسجام بينهما!.

ثم كانت تجربتها الثانية والتي عمّرت معها حتى وفاتها، كانت امرأة ناضجة في 39 من عمرها، وتزوجت من شاب يصغرها بثلاث عشرة سنة، وهو عالم الآثار «ماكس مالوان»؛ تعرفت عليه خلال إحدى سفراتها للشرق عام 1930م، وكان هو في 26 من عمره، وعاشت معه مُتجولة بين تضاريس البلاد العربية، سوريا والعراق ومصر وفلسطين، هو باحث منقب عن الآثار وهي تكتب رواياتها التي شهدت ولادتها بلاد العرب؛ ورغم مرور السنوات التي ظهرت علاماتها في وجه «أجاثا» وجسدها قبل زوجها الشاب إلا أنّ اهتمامه بها وحُبَّه لها لم يتأثرْ ولم يقل، بل كان يزداد سنة تلو أخرى؛ حتى أمضيا حياة 45 سنة معاً انتهت بوفاتها وهي في 85 من عمرها فيما كان هو 71 عاماً.

وعلاقتهما هذه أثارت الكثيرين في محيطهما، فكان السؤال المستمر من النساء لها عن سر استمرار اهتمامه بها!، فتُجيبهم بطرافة:»أمر طبيعي فزوجي عالم آثار يعشق الآثار القديمة»!

والحقيقة هناك الكثير من القصص المشابهة لقصة أجاثا ممن تزوجت رجلاً يصغرها في السن وكانت سعيدة دون أن يكون فيها الزوج «عالم آثار»؛ بل أعظم قصة لنا كعرب ومسلمين نأخذها من سيرة حبيبنا المصطفى الرسول صلى الله عليه وسلم في زواجه من السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وهي أنموذج ناجح عظيم، فهي أحب زوجاته لقلبه ولم يتزوج عليها قط رغم أنها تكبره بسنوات عديدة؛ أما زواجه من أمهات المؤمنين -رضي الله عليهن- فكان بعد وفاتها رضوان الله عليها، وحزنه الكبير على فراقها كان سبباً في تسمية عام وفاتها بعام الحزن.

وبشفافية أجد أن نجاح العلاقة الزوجية واستمرارها دون أن يخفت وهجها مع تقدم العمر والكهولة يعتمد بدرجة كبيرة على «كيمياء الصداقة والرِفقة» بين الزوجين، هذه الكيميائية كفيلة باستمرار هذه السفينة مهما كان فارق العمر أو المذهبية أو الثقافية؛ بينما إذا كان الحبّ مُرتبطاً بكيميائية جسدية تعتمد «جمال المرأة/ وسامة الرجل» فهكذا علاقة لها عُمرٌ افتراضيٌ وسينتهي مع تقدُّم السن؛فما يبقى سوى«صداقة ورفقة» العِشرة مع السنوات؛ إنها العامود الفقري للحبّ الحقيقي صانع المعجزات لما فيه من طاقة إيجابية؛ ألم يقل الكاتب الإنجليزي روبرت براوننغ:»الحب وقود الحياة».

ودون شك، ما تزال هناك«لوثات تقليدية» تطغى على حياتنا في مجتمعاتنا العربية تُحدد وتقنن وتتدخل في زيجات الكثيرين! نتيجة عادات وتقاليد توارثناها، وأنتجت «زواجاً» بمواصفات «هندسة اجتماعية» تأخذ في حسبانها «القيل والقال» ورغبات أهلنا أولاً، وإن لم توافق رغباتنا واحتياجاتنا؛ ولعليّ أتذكر قصة زميلة عزيزة عليَّ حدَّثتني عن حبّ حياتها الذي استمر ثماني سنوات؛ حتى افترقا لعدم تمكُّنه من التقدم لها بسبب رفض أسرته رغم أنه يحبها جداً؛ أتعلمون ما السبب!؟ لم يكن العيب في أخلاقها أو جمالها أو تدينها؛ بل لأنها أكبر منه بثلاث سنوات فقط!! كان ذلك سبباً كفيلاً لرفض أسرته زواجه منها!!، وهمهم بـ«ماذا سيقول عنه الناس حين يتزوج بمن هي أكبر منه!!» وتزوج من أخرى اختارتها أسرته ولم يستطع أن يحبها!، فلا ميول مشتركة ولا حوار ولا اهتمامات متبادلة!، المهم أصغر منه وجميلة!، وكانت النتيجة أطفالاً وطلاقاً عاطفياً وأسرة مفككة!!، وحين وجد نفسه ذا شخصية قرر الزواج ممن أحبها سابقاً قلبه، ولكن كان الوقت قد فات؛ فقد تزوجت من آخَر قدَّرها حق قدرها، وهي تعيشُ معه بسعادة إلى اليوم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store