Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

فرس النيل يؤكد: مصر في قلب السودان فيضان عشق!

A A
في ضبابية الموقف وفي غمرة البحث عن سر عدم التعاطف مع محنة الفيضان في السودان مقارنة بالانفجار في لبنان وجدتني أردد ما قاله أحد الشعراء العظام:

أبدًا ما هنت يا سوداننا يومًا علينا

بالذي أصبح شمسًا في يدينا

وغناء عاطرًا تعدو به الريح

فتختال الهوينى

من كل قلب يا بلادي

فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي

والمثير والجميل ان فيضان النيل في مصر كما في السودان ارتبط بفيضان المشاعر، كما ارتبط قديمًا بالدعوة الى التطهر!

وفي ذلك يحكي ابن إياس "انه في شهر رجب عام ٩١٥ زاد النيل ثمانية أصابع عن الحد المفروض، فحدث ضررًا شديدًا، ونادى السلطان بألا يجاهر الناس بالمعاصي، ولا يمشي أحد بسلاح بعد المغرب، وأن يواظب الناس على الصلوات في الجوامع، ثم أمر القضاة الأربعة أن يتوجهوا للمقياس.. مقياس النيل ويدعوا الله أن يهبط النهر".

إنه النيل الذى علم القدماء الحب والصبر.. وكان على النهر أن يأتي في موعد لا يتأخر عنه، وأن يفيض بقدر محسوب لا يزيد عنه ولا ينقص.. إنها معادلة الحياة والموت.. الشبع والجوع.. الظمأ والارتواء.

وقد تخيل القدماء قديمًا أن خيولا مثل خيول البر تظهر في بحر النيل، وتخرج كل عام لترصد ما يفعله الشعب والحكام، حتى ينتهي جريها الى مكان، فيعرف الناس حجم الفيضان.

وجاء في كتاب المسبحي "أخبار مصر في سنين" إنه في يوم الأربعاء ١٨ شعبان ١٤١٤ ظهر في بحر النيل من أعمال أسفل الأرض دابة تسمى فرس النهر، وهو في لون الفيل، وله قوائم تشبه قوائم الثور، وفي ظهره حدبة تشبه سنام الجمل، وقد شوهد ذاهبًا وعائدًا في النيل لكشف الحقائق وللتحذير من الظلم!

لكن المسبحي لم يحدد ظلم من لمن؟

تذكرت مقولة الطيب صالح:

كان ذهني قد صفا حينئذ، وتحددت علاقتي بالنهر، إنني طافٍ فوق الماء ولكنني لست جزءًا منه، فكرت أنني إذا مت في تلك اللحظة فإنني أكون قد مت كما ولدت، دون إرادتي.. طول حياتي لم أختر ولم أقرر.. إنني أقرر الآن أنني أختار الحياة.. سأحيا لأن ثمة أناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن، ولأن عليّ واجبات يجب أن أؤديها، لا يهمني إن كان للحياة معنى أو لم يكن لها معنى.. وإذا كنت لا أستطيع أن أغفر فسأحاول أن أنسى.

عدت أو عادت بي الذاكرة لتلك المحاضرة التى ألقاها سفير السودان بفرنسا الدكتور خالد فرح والتي تناول فيها عشق مصر في ديوان الشعر السوداني واستهلها بقوله: إن الهيام بمصر، ومدحها، وذكر محاسنها، والتغني بمآثرها وأمجادها ومغانيها، لهو من الموضوعات الملاحظة والثابتة، التي ظلت تسمو ديوان الشعر العربي بأسره، وعبر مختلف العصور المتعاقبة إلى الآن، وخاصة منذ أن أضحت مصر، بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، أرض الكنانة، ومستودع قوة العرب والمسلمين، ورمز عزتهم، وعنوان حضارتهم، والكهف الذي يلجأون إليه في الملمات ومدلهمات الأمور.

ومن شعر محمد سعيد العياسي يختار لنا:

يا حبذا دارٌ نزلت وحبذا إبداع من ذرأ الوجود ومن برى

مصرٌ وما مصرٌ سوى الشمس التي بهرت بثاقب نورها كل الورى

ولقد سعيت لها فكنت كأنما أسعى لطيبة أو إلى أم القرى

وبقيت مأخوذاً وقيد ناظري هذا الجمال تلفتاً وتحيرًا

فارقتها والشّعر في لون الدجى واليوم عدت به صباحاً مسفرًا

أما الشاعر الجميل التيجاني يوسف بشير فيقول عن مصر في إحدى قصائده:

عادني اليوم من حديثك يا مصر رؤى وطوفت بيَ ذكرى

وهفا باسمك الفؤاد ولجّت بسماتٌ على الخواطر سكرى

من أتى صخرة الوجود فقراها وأجرى منها الذي كان أجرى

سلسبيلاً عذب المشارع ثراراً روياً جم الأواذيِّ غمرا

إلى أن يقول:

إنما مصر والشقيق الأخ السودان كانا لخافق النيل صدرًا

حفظا عهده القديم وشادا منه صيتاً ورفَّعا منه ذكرًا

فسلوا النيل عن كرائم أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدرًا

كيف يا قومنا نباعد من فكرين شدا وساندا البعض أزرًا

كيف قولوا بجانب النيل شطاهُ ويجري على شواطئ أخرى

كلما أنكروا ثقافة مصرٍ كنت من صنعها يراعاً وفكرًا

نضر الله وجهها فهي ما تزداد إلا بعداً عليّ وعسرًا

يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرًا

ومن شعر تاج السر الحسن اختار لنا السفير فرح قصيدته التي يقول فيها:

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة

يا رياضاً عذبة النبع وريقة

يا حقيقة...

مصر يا أم جمالٍ أم صابرْ

ملء روحي أنت يا أخت بلادي

سوف نجتث من الوادي الأعادي

فلقد مُدت لنا الأيدي الصديقة

هذه هي مصر في قلوب السودانيين.. فيضان من مشاعر الحب والوجد والشوق والتقدير.

وددت التذكير بهذه الحقائق الثابتة، حتى لا يغرق الناس بفعل عوامل التغييب المكتسحة في حسابات أخرى، من قبيل أن الفيضان في السودان جاء انتصارًا إلهيًا لمصر، وانه سيمهد الطريق للانتصار في معركة مياه النيل.. وددت التحذير من فيضان الجهل في معركة المصير! 



contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store