Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
حليمة مظفر

"لي زيكي" من الصين .. الشهرة بعيداً عن الضوضاء والابتذال

A A
إنها لا تتحدث عن نفسها في مقاطع قناتها؛ ولا تصدح بآراء تشي بجهلها أو دون عواقب في مجتمعها، ولا ترتدي الماركات العالمية الباهظة ولا تُقدم لقطات مبتذلة لجسدها!، بل لا تُواجه الكاميرا ولا تتحدث إليك وأنت تُشاهدها في مقاطعها المصورة، وكُل ما تفعله أنها حولت هواياتها في فنون الطهي وتربية الحيوانات والزراعة وما تقوم به من أعمال النجارة والرسم والتصميم والخياطة وصناعة القطن والحرير إلى شغف يتسلل إليك من خلال عنايتها بالتفاصيل؛ متمنياً أن تعيش ببساطة حياتها.

هكذا قادتني الصُدفة للتعرف على فتاة صينية تُدعى «لي زيكي» حين كنتُ أتصفح «اليوتيوب» بحثاً عن وثائقيات حول الصين تعرفني أكثر على الثقافة الصينية بعيداً عن «فيروس كورونا»، حيث أخذتني إلى مساحات من التأمل والهدوء والمتعة، ثم وجدتُ نفسي أتصفح قناتها التي أطلقتها قبل ثلاث سنوات ويتابعها الملايين حول العالم، مُستمتعة بدهشة تلك التفاصيل التي تُعبر عنها في مقاطعها، ورغم أني لستُ ممن يهتمون بمتابعة مشاهير الإعلام الجديد في مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة ضيق الوقت والانشغال، لكن «لي زيكي» ذات الـ 30 عاماً لم تكن كبقية المشاهير في الإعلام الجديد؛ إنها كما نقلت عنها إحدى الصحف تحتاج بعض مقاطعها لسنتين حتى تنجزها، فهي أشبه ما تكون بـ»شخصية خيالية» كتلك التي نراها في عالم ديزني، لا يسهل مُصادفتهم ونحن في القرن الـ 21، وكأن حياتها حُلم جميل يحصل على هذه الأرض التي تعاني حالياً أزمات مفزعة من «جائحة كورونا»؛ فلا تشعر معها بضوضاء المدن أو أن هناك حروباً واضطرابات سياسية أو صراعاً انتخابياً في أمريكا يراقبه العالم باهتمام، ولا ما يسمى بالغلاء الاقتصادي، فيما تلك الكماليات التي أرهقتنا ونحن نركض خلفها مجرد وهم أوجعنا رأسنا به! فلا براندات غالية ولا ماركات عالمية ولا مطاعم فارهة ولا وجبات سريعة ولا ضغوط المجاملات الاجتماعية!.

وفور ما تنتهي من مشاهدة مقاطعها تكون لديك «أمنيّة» بأن تقاسمها هي وجدَّتها المُسنة التي ترعاها تلك الحياة التي تعيشها وكلابها وخرافها وسط جبال وغابات سيشتوان في الصين، حيث قريتها الريفية المنغمسة في تفاصيل الطبيعة والمعطرة برائحة الأرض والمطر في مزرعتها الصغيرة القريبة من الغابة.

وبصدق، لم أكن أتوقع بعد أن أجريت بحثاً عنها في بعض المواقع الصينية والأجنبية أن تلك الفتاة التي يتابعها أكثر من 12 مليوناً حول العالم، وتُدهشك بما تمتلكه من مهارات وفنون الطهي وحِرف يدوية عديدة حتى أنها تصنع مكياجها بنفسها من العسل والورود وتصمم وتنسج ثيابها من الحرير وتصنع وسائد أسرّة بيتها من قطن تزرعه بيديها فيما تبني وتقوم بأعمال النجارة بنفسها وكل شيء تعيشه تقريباً مع كل ذلك الجهد الذي تبدأه من الصباح الباكر حتى الغروب فإنها بعد أن أصبحت مليونيرة لم تغير حياتها، حيث باتت تمتلك علامة تجارية للأطعمة باسمها وتبيع المواد الغذائية المعبأة من خلال التجارة الإلكترونية، ودخلها يقارب خمسة ملايين دولار في السنة تقريباً بعد أن أصبحت مدونة فيديو قادتها الصدفة لأن تكون شهيرة.

و»لي» لم تُولد وفي فمها ملعقة من ذهب، لقد عاشت طفولة بائسة فقيرة، فبعد طلاق والديها ثم معاناتها من إساءة زوجة أبيها، اضطر جدها وجدتها لأخذها وتربيتها ثم توفى والدها وهي طفلة وبعد وفاة جدها وهي في الصف الخامس باتت جدتها غير قادرة على دفع تكاليف تعليمها، مما دفعها إلى ترك المدرسة في 14 من عمرها، والذهاب إلى المدينة للعمل، واشتغلت نادلة و دي جي في ملهى ليلي ومغنية في بار حتى عام 2012 حيث أجبرها مرض جدتها المُسنة على العودة إلى القرية الريفية كي ترعاها، وهناك لا بد من كسب رزقها، فعملت في بيع المنتوجات الزراعية والحرفية التي تجيدها وتعلمتها من جدَّيها، وفي 2015م استمعت لاقتراح ابن عمها بعرض منتوجاتها عبر منصة صينية لترويجها، وبدأت في تصوير ما تقوم به وعرضه للبيع، ورغم افتقارها لمهارة التصوير لكنها جذبت الكثيرين لمقاطعها حتى عام 2016م حين لفت انتباه رئيس المنصة الالكترونية التي تنشر بها في الصين مقطع لها؛ وجعله في الصفحة الرئيسة للمنصة، فتابعها الكثيرون، وشيئاً فشيئاً أطلقت علامتها التجارية في المنتوجات الزراعية، ثم طورت احترافية تصوير مقاطعها، وأطلقت في 2017 قناتها على اليوتيوب بتشجيع الحكومة الصينية كونها تعمل على نشر ثقافة الصين التقليدية والتراث الثقافي غير المادي عبر إحيائها لعادات الصين القديمة في الحياة اليومية الريفية، وتم تعيينها في منصب سفيرة «تشنغدو» لتعزيز التراث الثقافي غير المادي، وفي ظلّ شهرتها التي فتحت عليها أبواب الثراء لم تنس طفولتها الصعبة وقامت بأعمال خيرية تستهدف مساعدة الأطفال في الظروف الصعبة، ثم فازت بجائز «أفضل شخص في الاتصال الثقافي لعام 2019م» وحصلت على جائزة اختيار الجمهور لأفضل شعبية من قبل صحيفة الشعب اليومية الرسمية للحزب الشيوعي الصيني، وفي هذا العام أغسطس الماضي تم ترشيح «لي زيكي» عضواً في اتحاد شباب الصين.

الخلاصة، هناك شهرة مضيئة مُلهمة تنهض على الوعي والثقافة كما «لي زيكي» وهناك شهرة مجانية مُبتذلة تنهض على سقوط القيم وهدم الثقافة!، وعليكَ أن تختار بين من يُلهمك وبين من يسقط بك نحو القاع حين تتابع!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store