نامت مصر قبل أيام على خبر رحيل الداعية الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي متأثرة بإصابتها بالفيروس اللعين.. ورغم عطائها الفكري والخيري الكبير، لم تكن الدكتورة عبلة ابنة المطرب المداح عاشق الرسول محمد الكحلاوي، وحدها التي سطرت صفحة ناصعة في كتاب هذه الأسرة الطيبة.
وفي مستهل مشواري الصحفي قدر لي أن ألتقي بالدكتورة عبلة أستاذة الفقه المقارن، قبل أن تسافر للعمل بكلية التربية للبنات في الرياض وقبل أن تتولى رئاسة قسم الشريعة في كلية التربية في مكة المكرمة.. وهناك في بيت والدها التقيت بحارس العمارة الإسلامية والتراث الأصيل الدكتور محمد محمد الكحلاوي الابن البكر لمداح الرسول، والذي صال وجال في ميدان التراث الإسلامي، وأول من رفع دعوى قضائية ضد الحكومة، خوفًا من المساس بقلعة صلاح الدين الأيوبي وما بها من مساجد وقصور.
لقد تمكن الكحلاوي الابن من استصدار شهادة من اليونسكو تدين البناء المرتفع حول القلعة، ومن ثم تقرر وقف بناء أبراج سكنية هناك.
وخلال رئاسته لاتحاد الأثريين العرب ظل محمد الكحلاوي يدافع بشراسة عن المحاولات المستمرة لتهويد القدس والحفريات التي تتم أسفل المسجد الأقصى بدعوى البحث عن هيكل سليمان.
ويتذكر العراقيون بفخر شديد كيف واجه الدكتور الكحلاوي محاولات نهب تراثهم، موقعًا بروتوكولا مع هيئات الآثار الوطنية يقضى بمقاطعة أي متحف عالمي يتعامل مع قطعة مسروقة من العراق.. وشارك بإرسال خبراء لإعادة ترميم المخطوطات ومزارات الأئمة في سامراء، كما عمل على تحديد أكثر من 1850 قطعة عراقية تمت سرقتها.
كنت أغادر بيت الكحلاوي، عندما دخل المطرب المنشد أحمد الكحلاوي محييا.. كان قد عاد من أوروبا، مقررًا استكمال مسيرة والده فأنشأ فرقة إنشاد رائعة قدمت أعمالا رائعة على مسرح البالون، ومن أبرزها «عد إلينا يا محمد».
لقد ارتبط اسم عبلة الكحلاوي بـ»الباقياتِ الصالحاتِ» تلك الجمعية الخيرية التي أسستها، وسواء كان المعنى هو التسبيحُ والتهليلُ والتكبيرُ، مصداقًا لما ورد في الحديث الشريف، أو كان هو الصلوات الخمس في تفسير آخر، فلا نملك الآن سوى الدعاء لها بالرحمة، بحق من أخذت بيدهم من الأطفال الأيتام ومرضى السرطان، وأن يبارك في شقيقيها الدكتور محمد الكحلاوي، أحد حراس المسجد الأقصى، وأحمد الكحلاوي مداح الرسول.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
