Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

البكاء على صداقة باتساع الحياة وفضاء الكون!

A A
صديقان صارا شقيقين، أو شقيقان صار صديقين، ثم أصبحا شخصاً واحداً!! تفاهما، تناغما صارا لحناً واحداً! حلقا في سماء الجمال، أصبحا قمراً واحداً! تفتحا مع الزهور والغدير، باتا غصناً واحداً! تباعدا! تغرب أحدهما فأخذ الآخر معه عبقاً وشذا! فرقهما الموت! سبق أحدهما الآخر تاركاً له الدمع يهطل في المدى!

كان، وما أقساها من كلمة، منذ بداية الحكاية، جميلاً ونبيلاً منذ انتبهنا الى إحساسنا بالجمال، حين سرنا معاً نحو بعضنا.. نحونا! هكذا كنا، وهكذا سرنا الى حيث لا ينقضي الوقت.. تارة في الغمام، وأخرى في الهيام.. نسمع الطيور تغني، ونحكي ونروي حتى ننام! وكان يا ما كان فتى يحب الطيور، وآخر يحب جمع الزهور، وقصيدة حب نبضت بالغرام!

ظل صديقي «علي» يناديني أمام الناس «أبويا شريف»، وبيني وبينه يمارس معي دور الأبوة، فيناديني «شرف»!، ومن ثم فقد عدت لرائعة مطر «مسامرة الأولاد كي لا يناموا»!.

كان الشاعر الكبير يتحدث بدوره عن صديقين لا يفترقان كأنهما الصوت والصدى.. والحق أنني وجدتني وعلياً في سرده الجميل خاصة وهو يقول: وقف الصديقان أمام فرن الزجاج الذي ينصهر فيه الرمل، ويخلع قتامته، ويتحول الى عجينة من الصفاء والشفافية، قال أحدهما: سأنفخ في عجينة الزجاج بأنفاس محبتي وصداقتي للكائنات، وأصنع مشكاة ذات زخارف من النباتات والزهر وأسراب الطير، وقطعان الحيوانات، فإذا أضاء فيها المصباح، انتشرت منها الزخارف، وامتلأت البيوت والطرقات بأشكال من النور الظليل، أو الظل المضيء للكائنات التي أحبها!، قال الآخر: اصنع مشكاتك، وسوف ترى كيف أبعثر زخارفها وأطلق كائناتها، من أسر الظل والنور الى اتساع الحياة وفضاء الكون!.

صنع الشاعر مشكاته بخيال صبور، ويدين مبدعتين، وهو ينفخ في عجينة الزجاج، ويصنع ما يشاء، من زخارف ومخلوقات وألوان حتى استوت المشكاة وتدلت في سلاسلها، والمصباح في داخلها يتوقد! أخيراً نظر الاثنان بذهول الى زخارف النباتات والزهر والحيوانات، وقد امتلأت بها الأرض، وأسراب الطير، وهي تنطلق مزقزقة الى أبراج الفضاء وأعماق الأفق، ودموع الدهشة والغبطة تملأ أعينهما!.

والحق أنني وصديقي «علي» صنعنا كل ما تحدث عنه شاعرنا أمام فرن الطين، لا فرن الزجاج! كم صنعنا وجوهاً لعظماء في السياسة والفن والرياضة! وحين كنت أختار عبد الناصر، كان يختار السادات، فإذا ما اختار فيروز اخترت نجاة!

وكثيراً ما توحّدنا حول مانديلا ومحمد على كلاي!


كم زرعنا زهوراً ووروداً في حديقتنا، وكم صعدنا الأشجار، وكم تبادلنا إلقاء الشعر على «الحضير».. بل كم تسلقنا الأشجار، وأطعمنا الطيور، وسقينا الحقول، وحين كنت أصمت يقول!

رحت أقلب في دفتر ذكرياتي مع «علي» فاكتشفت أن الكتاب كان قاسماً مشتركاً في كل لقاء!، عدت لذاك اليوم الجميل، الذي انطلقنا فيه الى الحقول، استجابة لرغبة ابنتي «شروق» التي كانت تعد دبلومة عن «الصورة والخرافة الشعبية في شعر مطر».. كان هو يقرأ من كتاب «المومياء المتوحشة»، وكنت أقرأ في «النمنمات» مايلي: قال صديقه، وهو يقوده عبر ممرات الحدائق والبساتين ليرفِّه عنه، ويخفف من حزنه العميق: كنت أتساءل بيني وبين نفسي، وأنا أرى أرفف المكتبات مثقلة بالكتب من أقدم عصور الكتابة حتى زماننا، ماذا يحدث لو تململت الأوراق ورفضت أن تكون أداة لنقل الأكاذيب والافتراءات، ووسيلة لنشر الأباطيل عبر الأزمنة، وانطلقت لتعود إلى طبيعتها ومصادرها الأولى، شجراً في الغابات، وأعشاباً ونباتات تغطي وجه الأرض بالخضرة الزاهرة؟!.

قال الشاعر: أنت نسيت أن الكتب هي المعرض والسجل العام لجهاد البشر من أجل الحق والحقيقة وجوهر الفضائل، وجميع الأكاذيب والأباطيل لم تكن إلا أجزاء وخُطى لابد منها في تاريخ هذا الجهاد الصعب، وهي جميعاً يكشف بعضها بعضاً ويحدده ويبرهن عليه!، ألا ترى أننا لا نعرف الليل إلا بغياب الشمس، ولا نعرف ضوء النهار، إلا بزوال الليل؟!.

تنهد الشاعر بحنان وأسىً وقال: نعم! لم يبقَ لي من أمل أو حلم، إلا أن يكون الفردوس على هيئة مكتبة!

رحت أجمع بعض أحلامي وأحلامه، وقمت لأكتب وفي كفي بعض أقلامه، وحين دخلت «الفيسبوك»، هالني بل أطربتني قصائده وجمال صوته، علَّه الآن يدرك أكثر من أي وقت مضى.. من أي عمر مضى، كيف كان حجم مقامه!.

بالأمس، وحين كنت أجلس في الحديقة الخاصة بمسكن لؤي محمد عفيفي مطر، والله على ما أقول شهيد، صرخت مردداً: سبحان الله! كنت قد تمنيت صباح وفاة «علي» أن يتم دفنه بجوار شاعرنا الكبير «أبي لؤي» وفيما كان دمعي يسيل، وجدت «لؤي» يقول: لكم تمنيت أن يتم دفنه بجوار والدي!

رحت أجمع بعض أحلامي وأحلامه، وقمت لأكتب وفي كفي بعض أقلامه، وحين دخلت الفيسبوك، هالني بل أطربتني قصائده وجمال صوته، عله الآن يدرك أكثر من أي وقت مضى.. من أي عمر مضى، كيف كان حجم مقامه!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store