Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

شحن الهمم وشاحنات الإرادة السعودية

إضاءة

A A
قبل سنوات طويلة تنقلت بين مدينتى هامبورج في ألمانيا وتولوز في فرنسا لمتابعة كيفية تركيب الطائرات العملاقة في مصنع إيرباص. أتذكر حينها أنني عدت محبطاً، من ابتعاد المسافة الزمنية بيننا وبينهم.. بين العقل الأوربي والعقل العربي!، ورغم أن تجميع قطع الطائرة التي تصل إلى نحو 4 ملايين قطعة، تأتي من نحو 30 دولة فقد ظل دورنا كعرب هو دور المستهلك فقط!

تذكرت تلك الليلة التي قضيتها في فندق صغير على نهر الراين في هيدلبرج، وأنا أتأمل إلى أي مدى وصلوا، وإلى أي منطقة خطرة وصلنا، وحين تحركنا من ألمانيا إلى فرنسا لاستكمال رحلة التركيب - تركيب الطائرة (إيرباص «A380»)- كان ألم الرأس قد لازمني من فرط الشعور بما يشبه اليأس!.

بالأمس فقط قمت برحلة مشابهة، لكنها هذه المرة في السعودية، وتحديداً في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، حيث يتم تركيب أكبر الشاحنات العالمية من طراز رينو وفولفو بأيدٍ سعودية فتية، وبعقول سعودية صافية، وبعزيمة عربية تحلق في آفاق العالمية بحق.

وفيما كانت رحلة تركيب الطائرة، تدور بين ألمانيا وفرنسا، من خلال مصنع إيرباص حيث مئات الحمولات الضخمة والصغيرة بما في ذلك البراغي والمسامير والأجزاء الأخرى المرتبة في صناديق والمسجلة أبجديًا، كانت أطنان من القطع الضخمة جاهزة لتركيب الشاحنة في مصنع الزاهد بدءاً من «الشاسيه» ونهاية بمقصورة الركاب (القطعة الوحيدة التى تصل جدة جاهزة من فرنسا أو السويد).. عدا تلك القطعة ينخرط الشبان السعوديون في فرد «الشاسيه» الذي يصل وزنه إلى نحو 400 كيلو، حيث يتم تركيب كل أجزاء الشاحنة، وحيث يصل الوزن أحياناً إلى نحو أربعة أطنان!.

في المصنع السعودي يمضي العمل بدقة متناهية حيث يتم تركيب «الجيربوكس»، و»المولّد» و»السيور» و»الريديتور» ، و»البساتم»، في الماكينة التي يصل وزنها إلى نحو 1200 كيلو جرام، باستخدام تقنيات أوتوماتيكية مذهلة!.

والواقع أن رحلة تركيب الشاحنات العملاقة في السعودية، تتم على يد ثلاث فرق أساسية، أولاها للتموين ويتولاها الشاب عبدالرحمن باحالق، حيث يتم استلام وتسليم كل قطعة آتية من فرنسا أو السويد، إلى خط الإنتاج، مروراً بالتخليص الجمركي وغيرها من إجراءات.. هكذا يتم تجميع نحو 8 آلاف قطعة مختلفة لكل شاحنة. ثم يباشر فريق الإنتاج مهامه بقيادة الشاب أحمد عطا الذي بدأ عمله في المصنع عاملاً، قبل أن يصبح مديراً للإنتاج.

ويتولى الفريق ترتيب الجداول وفقاً لطلبات الزبائن، حيث لا توجد شاحنة واحدة جاهزة، وانما يتم الإنتاج وفقا للمواصفات التي يطلبها الزبون.. وتبدأ رحلة الإنتاج من المرحلة صفر إلى المرحلة 16 حيث يتم إنتاج نحو 7 آلاف شاحنة في السنة.

على أن الانتاج ليس هو المسار الأخير للشاحنة، إذ لابد من دخول فريق الجودة على الخط لإجراء عشرات الاختبارات، وصولاً إلى «صفر عيوب».

لقد بلغ من دقة الفريق أن يتولى رصد كل شاحنة ليس في مرحلة التجريب فقط، والتي تقطع فيها الشاحنة نحو 60 كيلو متراً، وإنما مراقبة كل شيء في السيارة أثناء قيادتها في أول رحلة، حيث يظهر كل شيء وترصد أية ملاحظة على شاشة الجودة هناك داخل المصنع!.

والحق أنني سررت أكثر عندما علمت أن هذا الفريق الذي يقوده الشاب السعودي متعب العمري، هو الفريق العربي الوحيد الذي يتمتع بصلاحية تدقيق وفحص شاحنات رينو وفولفو حول العالم، ومن ثم يستعان به أحياناً في مهام من هذا النوع في المغرب وفي جنوب أفريقيا وغيرهما من الدول.

عدت من مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وأنا أكثر يقيناً بقدرة أمتنا على الصعود والنهوض والانخراط في بناء حضاري عريق، شريطة مراجعة النفس، ولملمة القوى، وشحن الهمم!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store