Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

في بيت حسينة وخالدة ملون وأبيض وأسود

A A
كما لو كنت أشاهد فيلمًا بالأبيض والأسود، شاهدته مرارًا، تابعت أمس خبر إصابة عشرات المتظاهرين في بنجلاديش بجروح، بعدما أطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على ناشطين من المعارضة بهدف منع احتجاجات جديدة على وفاة كاتب معروف في السجن!

وأظهر الفيلم لقطات من أمام نادي الصحافة الوطني، في دكا - الذي تحول إلى ساحة معركة «فيما تقوم الشرطة بضرب المتظاهرين بالهراوات لتفريقهم».

الشيء الوحيد الذي اختلف، وهو بالتأكيد شيء كبير، هو وفاة الكاتب الصحفي مشتاق أحمد، الذي صحبني مرتين إلى بيت السيدة خالدة ضياء.. مرة حين كانت رئيسة وزراء، وأخرى عندما كانت زعيمة المعارضة.

وكالمعتاد، قال نائب مفوض شرطة دكا سازادور الرحمن إن الاشتباكات اندلعت عندما قام ناشطون من «الحزب الوطني المعارض» برشق حجارة ومهاجمة الشرطة بأنابيب بلاستيكية، ما دفع الشرطة إلى الرد «بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع»، مؤكدا أنهم «لم يأخذوا أي تصريح» لتنظيم تظاهرة، فيما قال الناطق باسم الحزب رضوي أحمد إن المتظاهرين السلميين كانوا في نادي الصحافة يحاولون تشكيل سلسلة بشرية احتجاجًا على وفاة مشتاق، ولم يكونوا بحاجة للحصول على تصريح.

والحق وكما شاهدت وتابعت على امتداد السنين، كانت ستفعل ذلك، إذا كان المتظاهرون من طرف الحزب الحاكم حاليًا «رابطة عوامي»، وإذا كان الصحفي القتيل زميلا لهم، ذلك أن بنجلاديش تمارس لعبة الكراسي الموسيقية التي تفضي إلى أن يكون رئيس الحزب الفائز في الانتخابات البريطانية هو رئيس الوزراء أي رأس الحكومة.

في التسعينات، كنت في دكا بعيد استقالة الرئيس حسين ارشاد، حيث بدأت بنجلاديش تتنفس نسمات الحرية، وحيث بدأ الحزبان الرئيسيان وهما الحزب الوطني الذي تتزعمه الشيخة خالدة زوجة الرئيس الراحل ضياء الرحمن الذي تم اغتياله، وحزب «رابطة عوامي» الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الحالية الشيخة حسينة ابنة الرئيس مجيب الرحمن الذي تم اغتياله أيضًا.

وحين جاءت خالدة للسلطة، تظاهر مناصروا حسينة حتى أسقطوها، وجاءوا برئيستهم للحكم، ليبدأ مناصرو خالدة في الاحتجاج حتى أسقطوا حسينة، وجاءوا بخالدة بها للحكم! لقد تكرر المشهد بل الفيلم الذي رصدته ميدانيًا بل شاركت فيه صحافيًا أكثر من مرة، قبل أن تمسك حسينة بمقاليد الحكم وتستقر الأمور في هذه الدولة ذات المئة والثمانين مليون نسمة!

على أن طريق التنتفس الرئاسي النسائي في بنجلاديش لم يكن مفروشًا بالورد، أو حتى بالرمل، فقد تخللته حوادث عنف وسقوط العديد من الضحايا، وامتدادًا لتلك الخشونة، تم الحكم على خالدة بالسجن بتهمة الفساد، قبل أن يتم الإفراج عنها «لاعتبارات إنسانية»، وبناء على توجيهات رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، ويومها قال وزير العدل إن رئيسة الحكومة السابقة «يمكنها تلقي العلاج في منزلها، لكن لا يمكنها السفر إلى الخارج».

ومع مرض البيجوم خالدة، ومن ثم مرض حزبها، انشغلت بقضايا سياسية أخرى خاصة على الصعيد الأفريقي، ولن أقول أنني نمت أو غفوت، لأصحو على نفس الفيلم، لكنه هذه المرة جاء بالألوان، وأخشى أن يزداد ويسود اللون الأحمر!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store