Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الصمت مقبرة العلاقات!

A A
لأن كل ما حولنا في حركة وتغيُّر، حتى المفاهيم حول كثير من أمور حياتنا اقتحمها التغيير، يجد بعضنا أو قليل منا صعوبة في التأقلم مع حركة التغيير خصوصًا فيما يمس حياته وعلاقته بالآخرين، وكيفية التغاضي أو الصمت عن خطأ مقصود أو غير مقصود صدر من أحدهم ضده، وهو يوقن أن العتاب «صابون القلب»، كما عرفه بالمعايشة والتجربة، أو بما تعلمه من أسرته ومجتمعه. كثير من العلاقات تنتهي ربما دون عودة إذا مارس كل من الطرفين الصمت، وخشي من العتاب، ومن ردة فعل الطرف الآخر، فالصمت هو السكين الذي يذبح العلاقة بين الطرفين من الوريد إلى الوريد، أو أنه المقبرة التي تُدفن فيها العلاقة إلى الأبد، بينما الحديث والفضفضة أو العتاب كما نعرفه، يفصح عن المحبة، يقولون: «ما عاتبك غير اللي حبك»، فهو يعني عند من عاش زمن المحبة والبساطة والتلقائية، المحبة، والتمسك بالآخرين مهما بدر منهم، وعدم التفريط في الأحبة من الأقارب والأصدقاء، بسبب هفوة صدرت بدون إدراك أو زلة لسان غير مقصودة! الحديث والفضفضة أو العتاب، لا يعني اللوم والتقريع، بل السؤال والاستفسار بمودة تغلف الكلمات وتشي بمكنون المحبة، هو هذا العتاب الذي يعتبره الأولون «صابون القلب»، لأنه يغسل القلوب من الشوائب التي تفسد العلاقات بين الأصدقاء، ويزيل التوترات والخلافات التي تراكمت فأفسدت العلاقات. ولأن كل شيء تغير، تغير بالتالي معنى العتاب، كما تغيرت كثير من العادات والمفاهيم، وأصبحت سببًا من أسباب الجفوة وربما خسارة قريب أو صديق، ربما ضاقت الصدور، ولم تعد رحبة تستوعب العتاب، أو تستوعب هفوات الآخرين وعتابهم. اتخذ العتاب مظهرًا أو معنى آخر سلبيًا، ربما ينهي العلاقة إذا كان أحد طرفي الخلاف لا يؤمن بـ»العتاب»، أو مناقشته فيما بدر منه! أحيانًا يدهشك سلوك أحدهم رغم العلاقة الوثيقة التي كانت تربطكما، ويرهقك التفكير في تبدل مشاعره، والبرود الذي يقابلك به، لكنه يتجاهل قلقك وحيرتك، ويقابلهما بالصمت المطبق! أيهما أفضل بالنسبة لك، العتاب أم الصمت؟! ربما الخوف من ردة الفعل تعيق البوح والعتاب، مع أن كشف ما يعتمل في النفس من مشاعر ضد سلوك أو تصرف ما بدر من أحدهم ضد الآخر، أفضل من كتم تلك المشاعر وتركها تنمو بالغضب ثم تتحول إلى نوع آخر من المشاعر تنهي العلاقة على المدى الطويل! العتاب، فقد معناه السامي والحميم، وأصبح مرادفًا للاتهام، فالنفوس لا تقبل الاتهام، ومن يجرؤ في هذا الزمن على معاتبة صديق أو قريب يصبح هو المذنب الباحث عن المشكلات، كما أن معظمنا ينظر إلى الأمور بمنظارين، منظار يرى به تصرفات الآخرين، ومنظار يرى به تصرفاته، بينما يرى أخطاء الآخرين وتصرفاتهم بحجم أكبر من حجمها الطبيعى، بحيث يضاعف من أخطائهم ويجعلها أكبر من حقيقتها، لا يرى بمنظار نفسه أخطاءه مهما كان حجمها وقسوتها، وربما لا يراها ولا يزنها لا بميزان المنطق والعقل ولا بميزان القلب! الجميع بحاجة إلى السلام الداخلي والخارجي وسط كل هذه الأحداث التي تحيط بنا، لكن ترك الشوائب تملأ النفس بمشاعر الغضب تجاه أحدهم، أخطأ ربما دون قصد أو عن حسن نية، أو حتى لو كان مع سبق الإصرار والترصد؛ فالإنسان الذي لا يستطيع التعبير عما يضايقه أو ما أساءه من قول أو سلوك أو عمل صديق أو قريب فهو أمام خيارين، إما أنه يحافظ على هذه العلاقة شكلا، وانتهاز الفرص للنيل منه بطريقة «الضرب تحت الحزام»، أو «مزحلي جدلي»، كأنه ينفث ما في صدره بطريقة غير مباشرة وهذا أسوأ اختيار يختاره الإنسان، أو أنه يختار المسار الأسهل والأفضل، البوح وعدم الصمت أو كما يقولون: «الكلام يحل كل شيء».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store