Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

لماذا لا نطبق معايير اللاعب على الكاتب؟!

الحبر الأصفر

A A
يعرف العقلاء أن كل منتَج آمن لابد أن يحمل تاريخ صلاحية محدّد بدقّة، يتضمَّن تاريخ الإنتاج وتاريخ الانتهاء، بل من المحمود أيضًا توخّي الدقة، ليشمل وقت الإنتاج بالساعة والدقيقة والثانية.. لكن منتجات الكتّاب غير محدودة الصلاحية، وهذا من التدليس الذي يجب أن نضع له حدًا من خلال إنشاء لجنة مكافحة الغش الكتابي، تضع على عاتقها مهمة مراقبة الكُتّاب وفرز إبداعاتهم كلمة كلمة، حرفًا حرفًا. وقبل الشروع في عمل اللجنة لاب د أن نضع اللوائح التنفيذية الصارمة التي تضمن أداء عملها بحيادية ومرونة وكفاءة، وأن تكون هذه اللجنة منيعة ضد الاختراق، ولا تؤثر على عملها محسوبيات أو واسطات. وليكون عمل اللجنة على المحجّة البيضاء يجب أن تضع تعريفًا «ما يخرش المية» لوظيفة الكتابة، لنعرف متى تكون مصدر رزق، ومتى تكون مصدر وجاهة، ومتى تصير مرحلة نقاهة، ومتى تصبح حالة ترف، ومتى تغدو من أسباب «القرف»؟! على هذا صعيد المقالات، أما على صعيد الكُتّاب فيجب إخضاعهم لإجراءات مُكثّفة، تمهيدًا من نقلهم من مرحلة الهواة إلى مرحلة المحترفين، مرورًا بتصنيفهم إلى فئات، ووصولاً إلى انتقاء تشكيلة منتخب من الكتّاب، وهذا أيضًا تترتب عليه خطوات أخرى. إن لاعب الكلمة لا يختلف عن لاعب الكرة إلا في تفاصيل بسيطة، لذلك يمكن أن نطبّق معايير رياضة كرة القدم على المساحات الورقية أسوة بالميادين الخضراء، وأكثر المعايير إلحاحًا توزيع استمارة الكشف عن المنشّطات على جميع الكُتّاب، لنعرف من الكاتب الذي يغشّ القارئ، حين يصدّع رأسه بترديد جملة «العقل السليم في الجسم السليم»، ولننصف الكاتب الذي تحمَرُّ عيونه من السهر في ملاحقة المعلومات يمنة ويسرة بلا منشطات، أو أي عوامل خارجية أخرى، مثل الاستعانة بمن يحسِّن له الصياغة ويصحِّح له المقال، قبل أن يُرسله إلى الصحيفة! وحتى يكون لاعب الكلمة محترفًا حقيقيًا يجب أن تخضع مقالاته لمراقبة دائمة، حتى إذا تراجع مستواه يتم خفض تصنيفه الاحترافي، لينسحب ذلك على كل المزايا والحوافز الأخرى. ولأن الرياضي الحقيقي لا يتوقف عن التمارين اليومية، لا في السفر ولا في الحضر، يجب أن يكون لاعب الكلمة أيضًا مستعدًا لخوض المباريات في أي وقت، فالقراءة الدائمة هي التي ترفع المخزون اللياقي، ومتى تكاسل عنها الكاتب أصبح عالة على المنتخب وعلى الجمهور. ولا ننسى تطبيق بنود عقود الرياضيين على الكُتّاب، فهي التي تحدد العمر الافتراضي، ويجب أن تتضمّن فترة الأشهر الستّة التي يمرُّ بها كل لاعب، وهي الفترة التي تبدأ فيها المفاوضات معه حول العقد إن كان مجديًا، أو وضعه على لائحة الانتقال، ثم في البازار لاحقًا إن لم يهتم أحد بشرائه.

حسناً، ماذا بقي؟

بقي القول إن الكتّاب يعشقون الفوضى، ولا يُنتظر منهم التجاوب مع عمل لجنة الغش الكتابي، لكن حماية الذوق العام، وصيانة الصحافة، وحفظ الثقافة، كلها تحتّم علينا استدعاءهم بالقوة الجبرية، وحتى تؤكِّد اللجنة نزاهتها يجب أن يكون رأي القارئ مهمًا من خلال قيامه بدور ساهر، وسنلاحظ سريعًا تلاشي من نعتبرهم عفشًا زائدًا من أدعياء الكتابة، كالنطيحة والمتردِّية وما أكل السبع، لتقتصر كل صحيفة في نهاية الأمر على ثلاثة أو أربعة كُتّاب، وذلك -لعمري- ما يسرُّ أولي الألباب!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store