Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

إثيوبيا بدأت تعسكر الأزمة وليس مصر!

إضاءة

A A
لم يصدر عن مصر الرسمية بحكومتها وجيشها ما يفيد أو يهدد أو يتوعد بضربة عسكرية مباغتة أو غير مباغتة لسد إثيوبيا، ومع ذلك يخرج كل صباح جنرال إثيوبي للحديث عن استعداد بلاده للرد على أي هجوم عسكري مصري على السد! ولأن مصر لا ترد ردًا عسكريًا صادرًا عن وزارة الدفاع، يزداد التوتر الإثيوبي فيخرج جنرال آخر ليؤكد، على طريقة الفنان محمد صبحي أن مصر "متقدرش"! وبالأمس على سبيل المثال لا الحصر، قال مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي إن "الجانب المصري لا يريد حل المشكلة من خلال المفاوضات.. يأتون للنقاش ويرفضون جميع المقترحات، ولن يستطيعوا حل المشكلة عسكريًا.. لن يحاولوا مهاجمة السد.. وحتى لو هاجموه فلن يستطيعوا حل المشكلة أو تدمير السد، لأنه لا يمكن تدميره بقنابل الطائرات المقاتلة، وهم يعرفون أن السد متين"!

ولا ندري في الحقيقة ما الذي أثار الجنرال الإثيوبي حتى يتحدث عن "الحل العسكري"، و"مهاجمة السد"، و"استخدام الطائرات المقاتلة"، وبعبارة أوضح لا ندري من الذي يسعى لعسكرة الأزمة بهذا الشكل بل هذا التوصيف الدقيق؟! على أن حديث "ديبيلي" يحتم أكثر من تفسير، فإما أنه وفريقه في غاية القلق والتوتر، خاصة بعد المناورات العسكرية المصرية السودانية بالقرب منه، وهذا الشرح أيضًا يمكن الرد عليه!

وإما أنه واثق تمامًا من أن مصر لن تقدم على الحل العسكري، مهما زادت أديس أبابا في تحديها واستفزازاتها، وهذا أيضًا يمكن الرد عليه! وإما أنه دخل على خط الإلهاء، بحيث يتم الملء الثاني قريبًا، وبعدها يبدأ طرح الحلول الفنية، التي لن تفي بالتأكيد بحاجة مصر.. وهنا أكرر "مصر منفردة بحسابات الربح والخسارة في مسألة السد مقارنة بالسودان" وإما أنه يخاطب الناس في بلاده، وليس في مصر أو في السودان، أو على مستوى إقليمي ودولي، وهذا هو الأرحج من وجهة نظري الشخصية!

في التفسير الأول، يمكن القول إن المناورات العسكرية المصرية السودانية، شأنها شأن أي مناورات مصرية مع طرف عربي آخر، بل إن مصر كثيرًا ما تجري مناورات مماثلة مع شريك أمريكي أو أوروبي، وهذا بالتأكيد واجبها وحقها!

وفي التفسير الثاني، أن مصر بشعبها وجيشها كانت دائمًا ملهمة للآخرين، ولها في ذلك تاريخ طويل، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي، ويخطىء من يتصور أنهما يقبلان أي مساس بالكرامة المصرية، مهما طال الزمن.. وهنا نستحضر مرارة النكسة في 1967 وطعم النصر في أكتوبر 1973.

وفي التفسير الثالث، فان المصريين جميعًا باتوا اليوم أكثر قناعة، بأن الملء الأول كان خطرًا داهمًا فما بالك بالملء الثاني، ومن ثم فإن مسألة الإلهاء قد تمر في أي شأن آخر غير العطش.. عطش الدلتا قبل أي شيء آخر! لاحظ هنا أن الرجل قال بالحرف الواحد: "لقد بدأت حكومتنا المرحلة الثانية من ملء السد، ومتى انتهت هذه المرحلة سيكون كل شيء آمنًا وسيأتي الجميع لبحث مقترحات تقاسم المياه، ليس بناء السد وإنما كيفية تقسيم المياه"! وفي التفسير الأخير، فإن الرجل يخاطب أو يدغدغ مشاعر شعبه، وهذا له ما له، وعليه ما عليه!

لقد كان يمكن التعامل مع تصريحات الجنرال باعتبارها إعلان جاهزية وهذا من حقه خاصة عندما يقول: "إن كل بلد مستعد للدفاع عن نفسه، ونحن مستعدون لصد أي عدو يحاول تقويض سيادتنا، نحن جاهزون للدفاع".. أما أن يتقمص دور وزير الري والموارد المائية فيقول "إن 90 في المئة من المياه تذهب إلى مصر وحدها، و10 في المائة للسودانيين، فيما لا يبقى لنا أي شيء"!

على الطرف المصري، كان وزير الخارجية، يؤكد على ثلاث نقاط واضحة تتمثل فيما يلي: 1- إن توجه مصر والسودان إلى مجلس الأمن في الخلاف مع إثيوبيا يهدف إلى دفع المجتمع الدولي نحو حل سلمي للأزمة، وليس لتدويلها، 2- إن تصريحات المسؤولين الإثيوبيين حول قدرة أديس أبابا على المواجهة العسكرية، هي تصريحات استفزازية، 3- إن مصر تعلم ما هي مصلحتها وحقوقها المائية وكيفية الدفاع عنها.. فهل هناك أكثر من ذلك صبرًا وهدوءً؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store