Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

أوقفوا الطبل الأجوف ولجِّموا خبراء «النيلة» !

إضاءة

A A
لا أظن أن وزير الخارجية المصري سامح شكري سيعود سعيداً من نيويورك عقب حضوره الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن بخصوص سد أثيوبيا.

ورغم قوة وجزالة وحصافة الكلمة «الضافية» للوزير شكري، الذي كان وجهه المكفهر طوال الوقت يعبر عن غضب أمة وشعب، فإن التضخيم الإعلامي وإبراز ما حدث باعتباره انتصاراً كبيراً لمصر والسودان، هو أمر خطير ولا أقول مؤسف!، وفيما كان معظم الإعلام المصري يتحدث عن «الانتصار» وعن «الأسد المغوار» وعن «لجم مجلس الأمن»، كان الإعلام الأثيوبي يتحدث عن تحقيق أديس أبابا للمراد، وعودة ملف القضية للاتحاد الأفريقي.

وحتى لا يزايد البعض، فأنا واحد من هؤلاء الذين أعجبوا كثيراً بكلمتي الوزير شكري والوزيرة مريم، خاصة عندما قال الأول إن اثيوبيا تتعامل مع السد باعتباره مشروعاً خيرياً، وأن النيل شأن داخلي!.

لكن هذا لن يمنعني من أهمية ضبط الإيقاع في التناول الإعلامي للملف في كل من القاهرة والخرطوم.

لقد كان الوزير شكري واضحاً وهو يؤكد للمجلس أن مائة مليون نسمة يواجهون تهديداً وجودياً، وأن كل حجر يعلو في السد يؤثر ويسبب خطراً داهماً، كما كان صريحاً وهو يشير إلى «أننا لم نسمع في مجلس الأمن اليوم شيئاً عن وقف التعبئة مثلما طالب الاتحاد الأوروبي» وأنهى: «ليست لدينا ضمانات وشعبنا مهدد بخطر الجفاف، والشمس ستحرق أراضينا».. كما كانت الوزيرة مريم واضحة وهي تتحدث عن أن خطورة الملء بدأت بالفعل حيث تم إخلاء سكان بعض المناطق خلال ثلاثة أيام فقط وما يمثله ذلك من ترويع، كما خرجت محطات شرب من الخدمة، ومن ثم فلا مراعاة لحقوق الجيرة في تهديد أمن وسلامة المواطنين! وبصراحة أشد، قالت مريم، إن صمت المجلس يعني أن التصرف الأثيوبي الأحادي أمر غير مقبول وهذا يؤدي إلى مآلات خطيرة.

في ضوء ذلك، تمنيت أن نركز في خطابنا الإعلامي على المكاشفة والنقاط الخطيرة، بدلاً من الطبل الأجوف عن الانتصار الذي تحقق!. وبمناسبة الطبل الأجوف، تمنيت لو تبدأ الجهات المختصة بملف السد في كل من القاهرة والخرطوم، في تحديد واختيار من يخرجون على القنوات الفضائية العربية وغير العربية، بحيث لا يخرج على العالم خبراء ليس لهم نصيب من الاسم، ومختصون في كل شيء غير ملف النيل!، لقد أصابني الرعب من خبير مصري بدأ يتحدث بدوره عن ضرورة «تطوير خطاب ديمقراطي فعلاً وثوري في مسألة السد»، لافتاً -لا فض فوه أو فض-، إلى أن: «الحقوق التاريخية» ليست حقوقاً وليست تاريخية، بل هي جزء من ترتيب استعماري تم في النصف الأول من القرن الفائت ضَمِن لمصر -الدولة الأكبر والأقوى في حوض النيل- حصة الأسد من النهر».

ويمضي الخبير الخطير قائلا: إن الدفاع عن «الحقوق التاريخية لمصر» إذن هو دفاع عن استئثار مصر بفيضان النيل على أساس من اتفاقيات استعمارية لم تقبل مصر مراجعتها ولا مناقشتها وأصرت باستعلاء -وبالتهديد باستخدام القوة- على فرضها على دول الحوض الأضعف والأكثر تأخراً.. أرى أن مصر لو كانت ديمقراطية بحق وثورية بحق كانت سترفض السير في هذا الطريق!. مثل هذا الخبير الذي يعتقد أنه خبير في النيل، لا يدري خطورة «النيلة» التي يطرحها، ومن ثم لا بد من الرد عليه بالعامية المصرية والسودانية «ديمقراطية ايه، وثورية شنو، الله ينكد عليك»! نحن نتكلم عن جفاف الدلتا في مصر وغرق الولايات في السودان، وموت البشر والزرع، والخبير الهمام يتكلم عن أصول الديمقراطية والثورية!، لقد تبنى الرجل سريعا نفس الخطاب الأثيوبي، معرباً عن خوفه من أن «يفسر كلامه غلط»! والواقع أن كثرة الطرح غير المنضبط في ملف السد هذه الأيام هو عين الغلط، وحبذا لو تم لجم مثل هؤلاء!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store