Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

طلب صداقة لشاعر ميت!

A A
كان لابد أن أعرفه ويعرفني، فهو شاعر جميل ونبيل يكتب عن الريف المصري، وأنا متيم بقريتي! وكان يكتب وكأنه يتحدث عني، وكنت أمضي أحاول محاذاة ظلي بظله!، ولأن القواسم المشتركة بيننا لا تعد، فقد كان لابد، من أن نضع لهذه الفرقة حداً. فتحت صفحتك على الفيسبوك، متقدماً بطلب صداقة.. لكنك حتى الآن لم ترد! قلت له، أيها الصديق الجميل، أما آن الوقت للقاء المستحيل؟، ولم يرد! أيها الصديق النبيل.. قال لي "جمال" إنك سألت عني، وإنك قلت في، وأومأت لي، فهرعت اليك سريعاً، لكنك كنت قد سبقتني الى حيث "مطر" وتلميذيه "فتحي" و"علي"!. قرأت حوارك الأخير، ورأيت أن اسألك: هل كنت ترثي ريفنا الجميل، أم كنت ترثي إحساسك به؟ هل كنت تنعي فيه الحياة؟! آه! يا يسري آه! البقاء لله.. والدوام لله.. الدار ماتت يا وِلداه! بِنت الإنسان الطين النَّى.. عبد الرَحمٰن الحَى! اللي قَعَد يزرع ف الأرض البُور..شَتَلات الضَى! ويسقي القُطن بياض من قلبه.. وخَضَار من دَمُّه والدار كانت بِنتُه وأُمُّه! آه يا يسري آه! كنت أتابع دورة القمر في السماء الداكنة، فيما كنت ترحل من دار الدنيا الى الدار الآمنة!.. كنت أكتب عن الساقية، وعن المسقة، وعن الترعة، حين كنت تؤكد أن: الترعة بتعرف ملامحنا.. كنا بنقعد ريحها وهي بتقعد ريحنا.. كانت تضحك لما بنتسابق.. على أول واحد بيدوخ.. لما يدور! على اخر واحد يوصل للبر التاني! على أول واحد بيموت م الضحك! على أحسن واحد يمسك بإديه النور! كنت أكتب عن تجربتي الفاشلة في تنقية القطن، عندما كنت تشرح حال أعواده وهي تستقبل نار الفرن: كان حطب القطن بيتحاسب..ويبات فرحان بدخوله النار! علشان هيكون له نصيب من جنة ستي.. في خبيز الدار! وكنت أكتب عن شهداء الكبوتة، حين كنت أنت تجاوب مع الفتيان على أسئلة "الخولي": اللوزة فين؟ أهية، التانية فين أهية، التالتة فين؟ أهية! خربوشك فين: أهو! يقول الخولي: حطه ف عبك، احمد ربك، فترد معهم : حمدته! قوي من قلبك! حمدته! كنت أواصل كتابتي بحماس عن كل ما سجلته ذاكرتي من شواهد الجمال في قريتي، عندما كنت ترد أو تقول: "ماوعيتش أنت"! ماوعيتش أنت على الضلمة الكحل! والليل اللي بيطلع م الساقية المهجورة.. ولابس لبس الديب! ماوعيتش أنت على كزان الدرة بتبصبص لك..وف عز النسمة تغازل عينك بالشراشيب! ماوعيتش أنت على القمح المتخزن في زكيبة أمي.. وهو بيحلم يبقى رغيف! كنت يا يسري، ومازلت ماسكا ومتمسكا بما بقي في قريتي من شواهد الجمال، فيما كنت تقول: "مش شايفين غير لمض النايلو..واليفط اللي بتلعط! فول وفلافل.. بيتزا فطاير.. واشحن ع الطاير! تجميل.. تخسيس..سمسار.. وكلام كداب.. والناس سرحانة.. والشارع إتملا أغراب.. واتملا عواجيز.. ويفط مقطوعة.. وعيال ملطوعة.. على الحيطان.. وشحاااتين.. م فضلش من المطرة.. غير الطين"!.
قبل أسابيع كتبت نصاِ بعنوان: في بيتنا نخلتان: ورحت أشرح جمال كل واحدة منهما عندما كنت أنت تقول: "النخل بيصحى ويتمطع.. ويفرد دراعاته على العالم يعديه! فيغني بعد دقايق.. وتبان أعراض الحب عليه". حين زرت مسجد سيدي شبل رحت تردد: "قوم يا أمير من مشهدك.. وارمي العباية ع الغلابة القلقانين! من عتمة الليل اللي راقد..وسطنا في نفس السرير.. لحد ما الموت يختشي". لكن الموت يا عزيزي لم يختش! حان وقت الرجوع! بل حان وقت الطلوع! آه يا يسري آه! يا الله! لماذا ذهبت سريعا! أقولها في خشوع! هل فتحت لي صفحتك، أم هذه صفحتي؟! ما الذي تبقى لي، سوى آهات طوال.. وتأمل.. وجمال.. وامتداد خيال! يالحظي! يبدو أنه لم يعد هناك وقت للمجالسة! لم يعد وقت للمرور، أو حتى للرد على رسائل المؤانسة! صديقي الذي خطفته فراشات الفراق مني ولم يمهله الموت حتى يضيفني، اسمه يسري ذكي.. شاعر من أشمون - منوفية ..مصري مواليد الشقا وطمي السنين.. ابن انتظار الفلاحين! زرع شبابه في ضحكتين.. بيعيش عجوز ويموت صبي.. قلبه بيوت.. روحه مدن.. متحصنة بنور النبي!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store