Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

في حقل العام الجديد

A A
بهجة الأمنيات التي تمتلئ بها الصدور، في انتظار خروج نهائي من عام مثقل بالأحداث، وربما الكثير غير المفرح، وغير المحفز والمحرض على استمرار رتابة الأيام، هي التي تحرض على الاحتفاء بقدوم عام جديد تحفُّه الأمنيات كمن ينتظر انتهاء طريق طويل قارب على نهايته، مرّ فيه بمحطات كثيرة بعضها مضيئة مشرقة، وبعضها مظلمة، وعندما يقترب من نهاية الطريق إلى محطة الوصول، يحاول التخلص من كل ما صادفه في تلك الرحلة، وضخ كمية من الأمنيات لقادم أجمل ومحطات مضيئة ومشرقة بالخيرات! لا أعرف ماذا يحصد أولئك الذين يصرون على تعكير فرحة الناس وهم ينثرون بذور أمنياتهم البسيطة في حقل العام الجديد، هجري أو ميلادي، وهم يحرمون تلك المباهج الصغيرة، التي يحصدها المحتفون، حتى لو كانت تلك الأمنيات، في انتظار جني حصادها مع كر الأيام؟!

قبل بداية كل عام يتم تداول نص لفتاوى قديمة أنتجها الفكر المتطرف في حقبة سابقة تم فيها تحريم كل شيء، خلطوا كل أمور حياتنا بالحلال والحرام، كفّروا آباءنا وطعنوا في تربيتهم، فأشاعوا في محاضراتهم بأن آباءنا لم يربونا على الحلال والحرام، فقط علّمونا العيب، لم يكن أحد يستطيع مناقشتهم، أو الاعتراض على ما يقولون، مهما كان المتلقى مقتنعاً بخطأ ما يقولون، لأنه يتم تصنيفه ونبذه حتى من الحضور!

حرَّموا كل المباهج التي ليس لها علاقة بالدين، بل هي ممارسات حياتية لا تمس العقيدة، ولا الدين، كتحريم الاحتفاء بقدوم عام جديد، ومازال فكر التحريم يتم بعثه من جديد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تداول الفتاوى قبل كل مناسبة دينية.

استقبال عام، هجري أو ميلادي، يعني ضخ الذاكرة بذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكرى مولد سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام؛ فالتاريخ الهجري مرتبط بهجرة خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومعاناته وصاحبه خلال تلك الرحلة المحفوفة بالخطر والمصاعب، واختبائهما في الغار، من ملاحقة كفار قريش، (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).. 40 التوبة.

كم هي المعاني التي تستبطنها هذه الذكرى، التأييد والنصر، الصبر والمؤازرة، والفشل الذي مني به المشركون والخيبة التي عادوا بها والخزي أمام قوتهم وعددهم، وضعفه صلى الله عليه وسلم وقلة عددهم «اثنين» فقط مقابل قبيلة بفتيانها وشيبها يسعون خلف سيد الخلق أجمعين، وهنا يكمن المعنى الأجمل، من ينصره الله فلا غالب له!

كل عام لا تكل قلوبنا من ضخ كمية من التفاؤل بأن العام القادم أجمل، وأن كل ما أصابنا سيمضي سيأخذه العام المنصرم ويرحل بلا عودة، هكذا هي الحياة، «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، هكذا حفظنا هذا الشطر من لامية العجم، قصيدة الطغرائي، لأنه يشرح باختصار جوهر الحياة «الأمل» أو «الأمنيات» وهي التي تحرضنا على الاستمرار في الحياة، واستقبال كل عام جديد على قارعة الأمنيات.

من يحتفي بقدوم العام هم أولئك الذين ينثرون بذور أمنياتهم في حقل العام الجديد، على أمل أن يكون عاماً خصيباً ينبت في أيامهم القادمة أزاهير الفرح ويغدق على أمنياتهم الارتواء كي تمد أغصانها وتنضج ثمارها وتخرجهم من حال ظنوا ألا مخرج منه إلا بقدوم عام جديد يمحو صفحة الأمس ويطوى اليوم ويأتي بغد مشرق بالفرح.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store