Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

عفواً ! لن أقول تكبير! الله أكبر!

إضاءة

A A
حتى ولو على مسافة خمسة كيلو مترات من كابول، وليس خمسين لن أفعلها مرة أخرى وأردد مع الداخلين أو الفاتحين أو المقتحمين: «تكبير! الله أكبر»!، أنت لا تستطيع الآن أن تحكم على فكر طالبان، وموقفها من أي شيء دنيوي سياسياً كان أم اقتصادياً أم اجتماعياً، بل إنك لا تستطيع أن تفهم موقف طالبان من الإسلام السمح الذي نزل دستوره على محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان!.

والذي حدث أنه، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومع الغزو السوفيتي لأفغانستان، حرك الأمريكان مشاعر المسلمين وغير المسلمين لنصرة أفغانستان، وحمايتها من ضياع هويتها الإسلامية، فانتفضنا للدفاع مع «قادة المجاهدين الأفغان»! ثم كان ما كان، وبدأ تساقط الولايات والمدن، ثم كان فتح كابول، قبل أن تشهد أفغانستان أبشع مآسي الزمان!.

كنت أحد المراسلين «المكبرين»، الذين شهدوا سقوط المدن الأفغانية، وللتاريخ الصحفي أقول، كنت أقف فوق سيارة الرئيس الأفغاني برهان الدين رباني، حينما دخلنا كابول، قبل أن يتحول فتحها الى أبشع معارك الغنائم البشرية في التاريخ المعاصر!، أتذكر جيداً، أنني كنت في ركب الشيخ عبد رب الرسول سياف، حتى مدينة جلال آباد، قبل أن أنتقل لإجراء حوار مع الرئيس رباني يوم الفتح، وعندما قامت القيامة، وبدأ الجنرالات يصوبون أسلحتهم الى صدور بعضهم، لم أجد من ينقذني لا من فريق رباني، ولا من فريق سياف، فلجأت الى مدخل عمارة أفغانية قبل أن يؤويني أو يأخذني أحد الأفغان الى شقته، وعند الفجر اكتشفت أنه كان ضابطا في صفوف الجيش الأفغاني في زمن نجيب الله!.

في ضوء ذلك، ومع سيطرة طالبان على الولاية تلو الأخرى، وسقوط المدينة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يطرح خمسين علامة استفهام، لن أسمح لنفسي ولو بالابتهاج أو الحزن لسقوط كابول!..

أتابع المشهد الآن وقد انتابني التبلد، من فرط ما فعلته الأحزاب والحركات والجماعات الأفغانية وغير الأفغانية بالمسلمين وبالإسلام!، أتابعه وكأنني أتابع لعبة المصارعة التي أكرهها!..

يجتمع مجلس الأمن ويهدد، ويجتمع حلف الأطلسي ويتوعد، ويحتفي البنتاجون بموازاة زحف طالبان بذكرى سقوط سايجون عاصمة فيتنام، وأنا أتثاءب قبل أن أنام، وأصحو على أخبار تقدم طالبان، دون أن أشعر بأي ابتهاج، أو حزن!.

لقد كانت تجربة صحفية مثيرة، لكنها على المستوى الإنساني مريرة! واذا قدر لك أن تدخل الى أرشيف أي مجلة أو جريدة.. عربية أو أمريكية، ستشعر كيف أن البشر، يصبحون دمى أحياناً، تحركهم قوى خارجية، وستشعر كيف تتحول الصحف والمجلات الى غسالات لأدمغة البشر!.

عاصرت «تكبير! الله أكبر»! تلك العبارة التي تعرضت لأبشع امتهان، و»نصرة الإسلام» التي كانت عنواناً شبه ثابت للمؤتمرات والمهرجانات، ولافتات «تبرعوا للمجاهدين» التي توزعت على جميع الميادين!، أتذكر أن بعضهم عايرني، لأنني تأخرت كثيراً في السفر لمشاركة «المجاهدين» جهادهم!، فلما سافرت ووصلت بيشاور تمهيداً لنيل شرف التغطية على الخطوط الأمامية، اتهمني بعض المجاهدين، والله على ما أقول شهيد، بأنني «علماني مشوش تابع لفكر الشيخ محمد الغزالي»!.

لقد كانت رائحة التطرف، بل التكفير حينها تزكم الأنوف، لكنها ماكينة الإعلام الأمريكي والعالمي، التي لم ترَ في جنرالات الحرب حينها سوى البسالة والشهامة والقوة، فراحت تروج لألقاب أسد بنشير، وقاهر الروس، وبطل قندهار!.

للتاريخ ولوجه الله، أقول إنني من هول ما رأيت في كابول بعد فتحها، كتبت من مطار كراتشي أحذر وأصرخ وأقول: انتبهوا! الى أين يتجه «قطار المجاهدين العرب»!، كانت التأشيرات قد طبعت، وتذاكر السفر قد استُخرجت، وتوزع الشباب العربي الخارج من أفغانستان، ومن أسميتهم حينها «القنابل الموقوتة» إلى عواصم أوروبا بلا استثناء، وتلك قصة أخرى!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store