Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

عدم الاكتراث

A A
الغيوم الداكنة على صفحة السماء، تبدو لنا نائية حيث تهطل في الحقول البعيدة، وننسى أن الرياح تداعبها ثم تباغتها وتحملها عنوة لتغطي سماءنا وتغرق سهولنا، هو هذا تفكيرنا القاصر، ورؤيتنا المحدودة، تؤثر سلبا على توقعاتنا، أو رؤية الحقيقة كما هي لا كما تصورها أوهامنا، كم حادثة أو فاجعة حدثت في دول العالم، وحمدنا الله أنها لن تصيبنا، ثم لم نتوقع أننا يمكن أن نكون هدفاً محتملاً لفتكها!. ترفض عقولنا التفكير في «الإمكان»، أو «الاحتمال»، كما يحدث لنا في كل أمورنا.

عندما يصيب الآخرين مصابٌ ما، تتملكنا الشفقة عليهم، لا تنتابنا مشاعر الخوف أو الشفقة على أنفسنا من مباغتةٍ ما لمصاب مشابه أو مماثل لمصاب الآخرين، هذا الشعور يسيطر على الجميع، منذ الأزل، عدم الاكتراث، وكأن كلاً منا لديه صك تحصين من رب العالمين، بأن ما يصيب الآخرين لن يصيبنا! هكذا غمرتنا مشاعر الشفقة على الشعب الصيني في بداية ظهور جائحة «فيروس كورونا 2019-2020م، فيروس كورونا أوهان»، الذي شُخّص في بدايته «بكورونا» ثم تم تحديد مصطلح لتعريفه عن بقية فصيلته «كوفيد- 19»،أو «كورونا المستجد»، تعددت الأسماء والخطر واحد.

كنت أتابع مشفقة، وربما شامتة، لأنهم أغرقوا أسواقنا بالبضائع المقلدة والرديئة، ربما كنت أقول بيني وبين نفسي: «هذه نتيجة الغش وعدم الإخلاص»، حتى عندما بدأ المرض ينتشر في أوروبا، لم أستشعر الخطر، لم أستحضر مقولة «العالم قرية صغيرة»، حتى عندما ظهرت أول حالة لدينا، كنت على يقين أنها محصورة في نطاقها، حالة ثانية وثالثة قادمة من دولة موبوءة، فهي لن تتجاوز حدود نطاقها، كنت على يقين بأن حدودنا آمنة من تسرب المزيد من حالات الإصابة وأن تلك الحالة أو الحالات الأولية هي كل ما وصلنا وآخره، حتى تلك اللحظة كنت في غيبوبة مشاعر عدم الاكتراث.

كم مرة في حياتنا داهمتنا تلك المشاعر، وأقصد بها «عدم الاكتراث»، أو مشاعر؛ أن ما يصيب الآخرين بمنأى عنا! لكننا لا نواجه ما يصيب الآخرين من خير بمشاعر «عدم الاكتراث»، بل أحيانا تأكلنا الحسرة ويمضنا اليأس، فالمناسبات الجميلة، كالأفراح والنجاحات، نواجهها بكامل وعينا ولهفتنا ورغبتنا لحصولنا عليها، ربما تنمي في بعض النفوس مشاعر سلبية تجاه من أصابهم هطول الفرح فاخضرت حقولهم وأزهرت أشجارهم غبطة وسعادة، تلك المشاعر السلبية تحجب رؤية أن ما يصيب الآخرين من خير أو شر يمكن أن يصيبنا، يمكن أن تهطل سماؤنا بالخير وتخضر حقولنا بالفرح، فالحياة دوارة كما يقولون، يوم لك ويوم عليك، فابتهج حتى الثمالة باليوم الذي لك، واحترز من اليوم الذي عليك.

كل شيء يمكن أن يحدث لك، النجاح، الفرح، السعادة، وأيضا ما يحدث للآخرين من مرض أو موت أو فشل وسقوط يمكن أن يمر ببابك يوماً، لذلك يمكنك مشاركة الآخرين أفراحهم بصدق ومحبة مع أطيب الأمنيات والتبريكات، وأيضاً مشاركتهم أحزانهم دون فتح جراحهم، والتنقيب خلف مصابهم، وطرح أسئلتك النمّامة عن كيف؟ وأين؟ ولماذا؟ هنا يمكنك أن تتمتع بكامل «عدم الاكتراث» لخلفيات مصابهم.

فالمريض الذي أسر لك بمرضه ربما لا يريد نشر خبره، فلست مخولاً بإخبار الآخرين مهما كانت صلتك بهم عنه، ومن أودعك سر خبر سعيد ينتظره، لست مخولاً بإذاعته، هنا أيضا يمكنك أن تتمتع بكامل «عدم الاكتراث» أو كما يقولون : «حفرنا دفنا»!

إذن مشاعر «عدم الاكتراث «، يمكن أن تكون ذات وجهين، أحدهما أسود كئيب، والآخر مشرق مضيء، وأنت حر في اختيار أي الوجهين تضعه داخل قلبك وعقلك، ليشرق وجهك بنور المحبة والرضا.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store