Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

الحسد يدمر الجسد !

A A
تذهب اليوميات إلى النسيان، ولكنها لا تغيب طويلاً، حيث تحضر كلّما استدعتها الفرصة ونادتها الحاجة، وقد لاحظتُ انتشار الحسد بين الناس، فحاولتُ أن أفتح ثقباً في جدار المعرفة وأطلّ من خلاله على التراث الفكري الذي قيل في الحسد.

ومن المعلوم لدى كلّ شخص موقف الدين من الحسد، حيث جاءت النصوص بكلّ صراحة ووضوح بوجوب تجنُّبه، بل والنهي عن ممارسته.

الأحد: للحسد مزايا يدركها بسرعة من يتعاطى هذه الصفة البغيضة، حيث يبدأ الحسد بأكل وجدان وأحاسيس ونفس الحاسد، لذلك يطالبنا الشاعر ابن المعتزّ بالصبر على الحسود، لأنه سيحرق نفسه بنفسه، حيث يقول:

اصبرْ على كيدِ الحسود

فإن صبرَكَ قاتلُه

فالنارُ تأكل بعـضـهـا

إن لم تجد ما تاكلُه.

الإثنين: إن أكل الحسد لكبد الحاسد أمرٌ متواترٌ وثابت في كلِّ الثقافات، وقد أكّده أكثر من شاعر، ولعلّ الناس تحفظ أبيات الشاعر ابن المعتز التي ذكرناها يوم الأحد، ولا يعرفون شاعراً آخر أكثر منه بلاغة، حيث يقول:

دع الحسود وما يلقاه من كمدٍ

يكفيك منه لهيبُ النار في كبده

إن لُمتَ ذا حسدٍ نفّستَ كربته

وإن سكتّ فقد عذّبته بيده

الثلاثاء: أعيد وأكرِّر وأقول وأزيد أنني لو كنتُ من أهل الحسد -لا قدّر الله- لتركتُه فوراً، ليس من أجل عيون المحسود، بل من أجل نفسي وسلامة صدري، لأن الحسد يلتهم صاحبه مثل النار التي تأكل نفسها كما قال شاعرنا أعلاه، وهذا الرأي يوافقه الفيلسوف ديوجينس، حيث يقول: (الحسد ألمٌ حارق يفتك بهمّة صاحبه قبل أن يفتك به).

الأربعاء: إن من يمارسون الحسد يشبهون من يقومون بعمليات انتحارية من خلال تفجير أجسادهم، وهذا المعنى قريب من مثل ألماني يقول: (الحسد لا يلتهم إلا ذاته).

الخميس: أخاف على من يمارسون الحسد، لأنهم يلقون بأنفسهم إلى التهلكة، والكثير من الحسّاد لا يؤمنون بهذا، لذلك حاولتُ في هذه اليوميات أن أكرِّس وأؤكد مفهوم التدمير الذاتي الذي يمارسه الحاسد لنفسه، وفي ذلك يقول الفيلسوف لابرويير: (مسكينٌ الحاسد، فهو لا يظلم إلا نفسه).

الجمعة: من الأشياء التي يهديها الحسّاد للمحسود أنهم يأتون بمثابة شهادات نجاح، يقدمها كلُّ حاسد لمحسوده، وقد انتبه إلى هذا المعنى الفيلسوف فيثاغورس، حيث يقول: (كن سعيداً كلّما كثُر حُسّادك، فهم الشهادة لك على نجاحك).

السبت: لعلّ البعض لم يقتنع بأن كلّ حاسد يقدِّم شهادة تدلُّ على تفوُّق المحسود، لذلك طالما أنهم لم يقتنعوا بالقول الأول فإليهم القول الثاني الذي جاء على لسان الفيلسوف هرواس دالبول، وهو أن (الحسد نوعٌ من أنواع الاعتراف بتفوق الآخرين على الحاسد).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store