Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

تسويق التفاهة!

A A
هل لا زالت الحكمة القديمة المتوارثة أجيالا عديدة: «ما يعيب الراجل غير جيبه»، هي معيار اختيار فتيات اليوم لشريك الحياة؟.. أم أن هذه الحكمة اندثرت مع اندثار كثير من المفاهيم والقيم الاجتماعية التي كانت تلقي بالعبء المادي كاملاً على الزوج؟.

المرأة الآن تعمل في كل مجال، حتى اللاتي لم يحصلن على نصيب من التعليم أو فرص وظيفية؛ استطعن تأسيس عملهن الخاص من المنزل، كثيرات أبدعن في تسويق إنتاجهن من الأطعمة أو المشغولات والمطرزات أو الأعمال الفنية، بعضها لا يتطلب مؤهلاً عاليا، أو عمرًا محددًا، بل جودة المنتج.

برعت المرأة السعودية في تسويق منتجها من المنزل، بينما اختارت قليلات -أرجو أن يكن كذلك- التربّح والمتاجرة بقصصهن أو جمالهن على قنوات التواصل الاجتماعي، بعد أن أصبحت مصدرًا للدخل، لا يتطلب سوى الجرأة في الظهور وعرض المفاتن أو الحياة الخاصة بشكلٍ مبتذل، يغري بالمتابعة التي تدر المكسب المادي.

حتى إن بعض الأزواج والزوجات اشتركا معاً في سناب مثلاً لعرض حياتهما، مع بعض المبالغات والبهارات التي تزيد المتابعين وترفع عدد المشتركين في سناباتهم أو قنواتهم، رغم تفاهة المحتوى أو إخلاله بالذوق العام أو القيم الأخلاقية التي تحكم السلوك الإنساني.

ليس لدي سناب، لكن أتابع بعض ما يتم تداوله على المجموعات على واتس آب، وأحاول فهم طبيعة ذهنية المتلقي الذي يُسوِّق التفاهة، ويُسهم في تداول تلك المشاهد، وانتشارها وشهرة صنَّاعها!. تداول المقاطع والمشاهد التي تُغذِّي أجهزتهم ليل نهار من أشخاص لا يملكون أدنى فكرة عن صناعة المحتوى، لذلك انتشر الرديء الغث، وأشغل الناس عن الإقبال على الجيد القيم، كقراءة الصحف والكتب، ومناقشة أمورهم الحياتية بوعي وقدرة على النقاش والحوار وتقبل الآخر!.

أنصت إلى بعض الأحاديث حول بعض من صُنِّف في قائمة «مشاهير سناب»، ممن يحيكون الأكاذيب ويفتعلون الأحداث ويفبركون الحوادث، لجذب أكبر عدد من المتابعين؛ الإشكالية في اللغة المستخدمة والأسلوب، والعركة التي تحدث بينهم وبين بعضهم، وهي نوع من الجذب وإشغال المتابعين بقضايا أقل ما يُقال فيها أنها:

«تسويق للتفاهة»، وكثرة الغث والتافه الذي ينتشر برضا الناس فلا يشعرون بغضاضة، بل يصبح هذا هو موردهم الثقافي ومتعتهم الحياتية، فالتصقوا بأجهزتهم وهواتفهم الذكية، وانشغلوا بها عن القيِم والمفيد، وعن مرافقة ابن أو والد وصديق!.

ما الذي دفع أولئك إلى السعي حثيثاً في طريق لا يُضيف لهم ولا للآخرين قيمة فكرية أو ثقافية، هل هو السعي لزيادة المتابعين لجني أرباح سهلة، أو الفوز بالشهرة الزائفة؟ الجواب لديهم بالتأكيد!. لا شك أن الانسان فطر على الفضول، والشغف لمعرفة ما يجري خلف الأبواب، لذلك تابع الدراما التلفزيونية بحرصٍ شديد، لمعرفة الأحداث وكأنها وقائع حقيقية تجري على أرض الواقع، لا أحداث من نسج الخيال، وكلما ارتفعت الأحداث الدرامية والقيل والقال، أصبح الانسان أكثر شغفا بالمتابعة، لكن حتى المسلسلات لابد أن تُقدِّم محتوىً قيّماً، وتدعم نشر الوعي والثقافة، لذلك تنتقد بعض المسلسلات التلفزيونية التي تُروِّج العنف مثلا، ولا تُقدِّم محتوى يدعم القيم الأخلاقية والاجتماعية، فماذا إذاً عن تلك المقاطع والمشاهد التي لا تقدم شيئًا سوى التفاهة؟!.. المشكلة أنها تستهلك وقتك وطاقتك وقدرتك على النهل من موارد الأدب والفكر والثقافة.

المرأة كائن استهلاكي بالطبع والجبلة، وبعضهن مصابات بعادة التقليد، لذلك استُغلت بعض أولئك المشهورات للترويج للرديء من المنتجات عبر وسائل التواصل، وعرض أنفسهن مع البضاعة ربما كنوع من تحسين وجذب المتابعين للإقبال على تلك البضائع، من خلال وسيلة سهلة الوصول والتداول وتسويق التفاهة!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store