Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

مساحات الحوار.. والرأي الواحد!

A A
أُصنِّف نفسي أنِّي امرأة طارئة على قنوات التواصل الاجتماعي، بما فيها تويتر، لكنِّي أُحاول التواجد للاطلاع فقط، ومتابعة ما يحدث حولي، وهي عادة اكتسبتها من قراءة الصحف ومتابعة القنوات الإخبارية. في عصرنا الراهن؛ تويتر يُشبه «هدهد سليمان»، يُحيط بما لم تحط به الوسائل الأخرى، أتابع قليلاً حتى وجدتني أرتاد مساحات الحوار، التي أصبحت منتشرة بشكل يُعجزك عن المتابعة!.

وجدت نفسي فجأة مشدودة لمتابعة المساحات التي وضعت عناوين جدلية، لكني أدخل وأخرج عندما يصدمني الحوار المتشنِّج، والردود الغليظة على المختلف، خصوصاً إذا كان الموضوع يتعلَّق بأمر شرعي أو ديني، كالحجاب مثلاً، وعدم استيعاب المختلف مع الفكرة الأساسية، بل الرد المتشنِّج والصوت المتوتر، بينما المفروض في مثل هذه المساحات الحرة، التي هي ساحة وملتقى للشباب، أن يكون الحوار حراً دون فرض رأي بالقوة، حتى لو كان الأمر متصلًا اتصالاً وثيقاً بأمر ديني، انطلاقاً من سماحة الدين الحنيف، «وجادلهم بالتي هي أحسن»!.

وجدت كذلك أن بعض العناوين انحيازية، ولغتها متطرفة، وتنطوي على لغة انتصارية، بينما المفروض فيمن يُطلق هذه المساحات الحوارية، أن يُرسِّخ مفهوم الحوار خلال النقاش، ولا يمنح بعض المتحدثين ميزة الاستمرار في قمع المختلف، ربما لأن المتحدث المتشنِّج يتفق فكراً مع المشرف على المساحة!.

يجب على المبادر بإنشاء مساحة حوار؛ التدقيق في اختيار العنوان، والمتحدثين الرئيسيين الذين يمسكون بزمام الردود على المتداخلين والمتداخلات، رغم أن تلك المساحات تحظى بمتابعة كثيفة، إلا أن الحوار أحياناً ينفلت من عقاله، وربما تعم الفوضى، فتتداخل الأصوات.. لا أعرف كيف يمكن تجنُّب مثل هذه الفوضى والتداخل، لكن أتمنى ألا نستسهل الأمر وكل منَّا يُنشئ مساحة للحوار دون تريُّث، والتعرف على المساحات المطروحة لمعرفة الجوانب الإيجابية والسلبية وتجنُّبها.

مساحة الحوار على منصة الإنترنت ربما تُشبه أسواق العرب قديماً، التي يدخلها كل مَن يمر، لكن الردود المتشنجة، ومحاولة فرض الرأي، وتعنيف المختلف فكراً ورؤية، من بعض من كانوا يملأون الساحة والمساحة، ويستحوذون على الحديث، لا تتسق مع فكرة المساحات الحرة!.

هذه المساحات ربما بعثت الأمل في بعض النفوس لممارسة الوصاية المجتمعية من خلال منصة تويتر التي تستقطب الشباب، فوجدوا لهم وسيلة سهلة لمحاولة السيطرة على العقول، وترهيب المختلف بالصوت المتوتر والعنف الحواري.

على الجانب الآخر أيضاً يوجد فريق آخر وصف المعارضين لاحتفالات الكريسماس بالمتطرفين، وكان يعلن النصر بعنوان المساحة وفتح الحوار حول هذا النصر الذي حققه المجتمع -كما يظن- على المعارضين، الذين وصفهم بالمتطرفين، وهو على الجانب الآخر متطرِّف في فكرهِ ورأيه؛ لأنَّه أقصى فئة اجتماعية، ووصمها بالتطرف، لأن لها رأياً مخالفاً لرأيه مثلاً!.

الأوطان مكان يستوعب الجميع، بكل أفكارهم واختلافاتهم، هذه هي القاعدة الذهبية التي تحكم الأمم، فتعدُّد الخيارات في كل المجالات العلمية والاقتصادية والترفيهية، يُلبِّي كافة رغبات واحتياجات أفراد المجتمع بكل فئاتهم وتوجهاتهم وأطيافهم.. مَن يرغب في شيء يجده متاحاً في وطنه، بدلاً من تحمُّل عناء السفر كي يُحقِّق رغبته، لم تعد هناك فرصة لاحتكار حرية المجتمع.

ليس من حق فئة أو جماعة أو منطقة احتكار حرية وطن.. فوسائل الترفيه ومشاركة العالم احتفالاته ليست فرضاً على الجميع، بل تحقق للفرد الحق في حرية الاختيار.. ما تراه تافهاً يُمثِّل عند الآخر أهمية، فأمزجة الناس مختلفة، لذلك قالوا: «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع»!.

الاحتكار ليس شأناً اقتصادياً ممقوتاً فقط، بل احتكار الرؤى والأفكار والقرار وقسر المجتمع على الرضوخ للفكر الواحد والرأي الواحد أكثر مقتاً، لأنه يُحوِّل أفراد المجتمع إلى مجرد أعداد في قطيع، أو شكل واحد صُبَّ في قالب وتجمَّد لا يُمكنه استعادة شكله، أو حقه في الاختلاف، لذلك أرجو أن تكون مساحات الحوار مساحة حقيقية للحوار الذي يمنح المختلف الحق في طرح رأيه دون تقريع أو تخويف!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store