Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

السفير كردي.. وأيقونة زمانها

A A
وصلنا الكثير عن رومانسية العرب في الجاهلية، قصص عشق، قيس وليلى، قيس ولبنى، عنتر وعبلة، وغيرهم ممن اشتهرت أشعارهم وقصصهم، لأن عشقهم اكتنفته العقبات والمنع أو الصد، صد المحبوبة، أو منع اكتمال العشق وتتويجه بعلاقة زوجية، أما في عصرنا هذا، فالقَصَص مختلف، وهو ينفي عن الرجل السعودي، بشكلٍ خاص، تهمة افتقاد الرومانسية، بل تمنحه ليس فقط الرومانسية، بل الوفاء والإخلاص، والقدرة على البوح، وكسر تلك الصورة النمطية عن الرجل السعودي الذي لا يذكر اسم زوجته ولا يبوح بمشاعره حتى للزوجة، مهما كان متيَّما بها.

في يوم أو عيد الحب؛ استضاف الصالون الثقافي الدكتور «عبدالله دحلان»، الذي سجَّل قصة عشقه لزوجته، منذ أن كان فتى يافعاً، حتى اليوم وإلى ما شاء الله، في كتاب عنونه بـ»الحب في خمسين عاما»، في تلك الأمسية الاستثنائية شرَّفنا معالي السفير الدكتور «محمد أمين كردي» بالحضور، كما شرفت بهدية قيمة هي كتبه القيمة: «الدبلوماسي بالفطرة، دبلوماسي بالصدفة، وأيقونة زمانها».

الأخير، تجسيد لهذا العشق وشِيَم الوفاء، التي يتمتع بها بعض ممَّن عاش ملحمة الحياة الزوجية الثرية بالعشق والعطاء من المعاصرين، ثم باغته الفقد، فخط لوعته شعراً ونثراً، يذكر عِشرة السنين بنبض الألم الذي يسري في كيانه، بينما كثير من الأزواج ممَّن باغته فقد زوجته انكفأ على حزنه، وآثر الوحدة على تجديد فراشه، فلم يستجب لإغراء تلك العبارة التي يُهمَس بها في أُذن الزوج الذي يتقبَّل عزاء زوجته، دون اكتراث أو احترام لحق الزوج في الحزن، وحق الزوجة في انقضاء فترة الحداد على مَن أمضى معها سنوات عمره.

لكن يظل الوفاء قيمة إنسانية وأخلاقية يتحلَّى بها كثيرون، فلا تغريهم العبارات السافرة التي تُحرِّض ذكورته على قِيَم الوفاء ومتطلبات الحزن.

السفير الدكتور «محمد أمين كردي»، من هؤلاء الأزواج الأوفياء، الذين لم يطووا الحياة الزوجية، ويلقوا بها خلفهم بمجرد وفاة الزوجة، بل مدَّها وخطَّها في كتاب، جمع فيه بين السرد الروائي، والتسجيل التاريخي والاجتماعي، لفترةٍ زمنية ممتدة من حياة جد الزوجة، وهو القامة التاريخية والأدبية الأستاذ «محمد حسين زيدان»، ومظاهر الحياة في مكة المكرمة، في سوق الليل، من عام 1365هـ، طقسه الكتابي، وروتينه اليومي، والحراك الثقافي والأدبي في تلك الفترة الزمنية، والحياة الاجتماعية والأسرية، فزوجته السيدة «رقية ناصف»، هي الحفيدة الكبرى، لـ «زيدان».

«إلى أيقونة زمانها «رقية» رفيقة الدرب لنحو نصف قرن»، هكذا سجَّل كلمته الأولى في الكتاب.

سجَّل وصفاً دقيقاً لحياتهِ مع زوجته الراحلة، منطلقاً من رحلة العودة، سبتمبر 2016م، من سان دييغو/ أمريكا، بطائرة الإخلاء الطبي، برفقته ورفقة شقيقتها «نجاة»، مستعرضاً فترة مرضها منذ إصابتها بمرض نادر: «غود باستر سيندروم»، ورحلة علاجها الصعبة، رغم ذلك لم تفقد حرصها على تسيير شؤون بيتها وهي على كرسي متحرك، ولم تفقد اهتمامها بأفراد الأسرة الكبيرة، والأصدقاء.

الكثير من التفاصيل عن كل تفاصيل حياتهما في سرد روائي مفعم بالشجن، كذلك يمنح القارئ صورة بانورامية عن الحياة الأسرية السوية التي كانت سائدة في الحجاز. زوج مُلِم بتفاصيل حياة زوجته، منذ كانت طالبة في دار الحنان، علاقتها بصديقاتها، معلماتها، دفتر الكشكول الذي كان علامة بارزة في حياة طالبات المدارس الخاصة في تلك الفترة، دار الحنان، مدارس عمر عبدالجبار، ذكَّرني بدفتر الأسرار تحمله الطالبات في الفسحة، يضم خواطرهن، وتوقيعاتهن لبعضهن؛ ببعض العبارات الشائعة في تلك الفترة: «أكتب لك بالأزرق، وأكتب لك بالرصاص، وأكتب لك بالأحمر»، عبارات كثيرة تستكمل بعباراتٍ مسجوعة، لم أعد أذكر منها شيئاً، لكن كشكول «رقية» أو «رقا» كما كان يطلق عليها، كان مليئاً بصور الممثلين والممثلات، والمطربين والمطربات، كان تعبيراً عن الإعجاب لا أكثر، ممارسة الطالبات للعبة السلة وألعاب رياضية أخرى قبل أن يتم المنع والمصادرة من قِبَل الفِكر الإخواني المتطرف.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store