Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

حرية التعبير بمقياس الغرب!

A A
الحرب لا تتورع عن استخدام كل ما تستطيعه من أسلحة لتدمير أعدائها، وبكل وسيلة، لكن استخدام روسيا للكاريكاتير في مواجهتها مع الغرب وأمريكا في حربها على أوكرانيا، يُؤكِّد المثل الشعبي العربي الذي ربَّما لا يعرفه الشرق أو الغرب، المثل الذي يقول: «اللي تغلب به العب به»، حتى لو كان اللعب «كاريكاتير»، كما يحدث الآن بين روسيا من جهة، وأمريكا وأوروبا من جهةٍ أخرى، وكأن كل آلات الحرب المتطورة التي تمتلكها كل تلك الدول لا تكفي، فأخذت روسيا بمبدأ «فين يوجعك»!.

رغم أن الصحف تستخدم الكاريكاتير «مادة يومية» للتعبير عن موقفها تجاه الأحداث والمواقف والأشخاص، بشكلٍ ساخر، إلا أنه أول مرة يدخل كسلاح في حربٍ مستعرة!.

اشتهر عدد من رسامي الكاريكاتير في عددٍ من الصحف حول العالم، لقدرتهم على رسم الضحكة على الوجوه بقلم رصاص، وتصوير الموقف أو الحدث بأسلوب يُغني عن ألف مقالة، في مصر مثلا: «مصطفى حسين»، أو الثنائي المشاكس، لأنه شكَّل مع الكاتب «أحمد رجب»، ثنائي رائع على مدى سنوات في جريدة الأخبار، يكتب «رجب» الفكرة في: «كلمة ونص»، ويرسم «حسين» الموقف أو الشخصية، أو الحدث، بحيث يُجبِرَا القارئ على التأمُّل في الكلمة والرسمة وهو يبتسم أو يضحك أو يقهقه.

حضرتُ في القاهرة معرضًا للفنان «عمرو فهمي»، الذي شكَّل مع الكاتب «أحمد رجب» ثنائي أيضاً، ربَّما في الفترة الأخيرة من حياة «أحمد رجب»، فكرة «أحمد رجب» المُركَّزة كالكبسولة مع الكاريكاتير، كانا قنبلة يومية، تُحدث تغييراً حكومياً، أو صخباً وشغباً شعبيًّا!.

في هذه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، برز الكاريكاتير كقوة ناعمة للنيل من الجبهة الأخرى المضادة؛ فالكاريكاتير الذي أغضب باريس، أو الأكثر «صلافة» أو غير المقبول، كما جاء في وصف وزارة الخارجية الفرنسية، الخميس 24 مارس 2022م، الأول، يُظهر الأوروبيين جاثمين أمام الولايات المتحدة، بطريقةٍ غير لائقة، والثاني، يُظهر أوروبا مريضة، مُستلقية على سرير، ويحقنها جلَّادان، هما أمريكا والاتحاد الأوروبي، بموادٍ مختلفة تُمثِّل: «النازية الجديدة، الخوف من روسيا، كوفيد-19»!.

المثير في الموضوع أن موقف فرنسا من الرسوم المسيئة لرسولنا «محمد» -صلى الله عليه وسلم- استُخدِم ضدها من قِبَل المُتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، «ماريا زاخاروفا»، بعد نشر الرسومات على موقع سفارة بلادها في باريس، حيث علَّقت على حسابها على تلغرام السبت 26 مارس 2022م، مُذكِّرة باريس بمواقفها السابقة من رسومات الكاريكاتير المسيئة للمسلمين قائلة: «لطالما دافعتم عنها معتبرين أنَّها حرية رأي وتعبير، حتى تلك الفظيعة منها»، وقالت ساخرة: «قررنا اتباع نصيحتكم، واستخدام الهجاء الذي تعتبرونه دليلاً على حرية التعبير، والآن لا يُعجبكم شيء»!!.

في 30 مارس 2005م، تم نشر 12 صورة، ثم توالى بعد ذلك إعادة النشر في صحف ألمانية، فرنسية، نرويجية، تسبَّب هذا في موجةٍ عارمة من الغضب والاستياء، والاحتجاج الشعبي والرسمي في العالم الإسلامي، وتم استثمار هذه الحادثة من قِبَل جماعات الإسلام السياسي، فاستخدموا العنف والهجمات الإرهابية ضد مقرَّات قنصلية وصُحف غربية لها علاقة بنشر تلك الرسوم.

كان الرد الصادم الذي تبنَّاه الغرب آنذاك هو «حرية التعبير»، الآن عندما استُخدِمَت حرية التعبير ضدهم، انقلبوا عليها، واعتبروها مسيئة تستدعي الاحتجاج، واستدعاء السفير الروسي، هذا هو المنطق الذي يستخدمه الغرب: «الكيل مكيالين»، أو «ازدواج المعايير»!.

لا أُنكر أنّي غضبتُ غضباً شديداً من تلك الرسوم؛ التي ادَّعى صاحبها -بخياله المريض- أنها تُمثِّل رسولنا العظيم -صلى الله عليه وسلم-، لكنها في الحقيقة ليست سوى أشكال؛ لا تنتمي بأي شكلٍ من الأشكال لحبيبنا ورسولنا محمد بن عبدالله، صاحب الطلعة البهية، والوجه المنير، والخُلق العظيم، إنما هي نفوس أعداء الأمة الإسلامية، المُعبَّأة بالحقد والغضب رداً على ممارسات الإرهابيين وجماعات الإسلام السياسي، التي اتخذت من الدين الإسلامي ستاراً لأعمالها العدوانية، وهجماتها الإرهابية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store