Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

من هم عمال المعرفة؟

الحبر الأصفر

A A
منذ إطلالتي المُبَاركة في التّلفاز من خلال برنَامج '»يَا هَلَا بالعرفج» عَلى قَنَاة «روتَانا خَليجيّة» عام 2013م، مُنذ ذَلك الحين، والنَّاس تسأل: مَاذا تَعني عبَارة «عَامِل المَعرفة»..؟! في البدَاية يُمكن القَول: إنَّ أوّل مَن استَخدم هَذا المُصطلح هو عمّنا «بيتر دراكر - Peter Dracker»، وقَد استَخدمه في مَكانِ عَمله، لأنَّه أدرَك أنَّ الزَّمن لَم يَعُد يَقبل كَلِمَات مِثل: «رَجُل دين»، أو «مُفكِّر» أو «فيلسوف»... إلخ، بَل العَالَم يَتّجه الآن إلَى صنَاعة المَعرفة، مِن خِلال مُشاركة «عمّال المَعرفة»، و»شغّيلة الوسَائط»..! ومصطلح «عُمّال المَعرفة» جَاء استجَابة حَتميّة لمُصطَلحات مِثل: «اقتصَاديّات المَعرفة»، و»مُدن المَعرفة»، و»مُجتمع المَعرفة»... إلخ

ومِن المُستحيل أن تَعمل هَذه المَرَافق مِن غَير عُمَّال..!

وكُلُّ مَا يَقومُ به «عُمَّال المَعرفة»؛ هو تَحويل المَعلومة مِن مَادة لَفظيّة «خَام»، إلَى سلعَة يَتم بَيعها.. ومَن يُدقِّق في الاقتصَاد البريطَاني، سيَجد أنَّ مُعظم دَخله يَأتي مِن خِلال «بيع وتَسليع المَعرفة»..!

يَقول العَالِم «كوبر - Cooper-: «إنَّ المَعرفة باختصَار هي إعمَال الفِكر مِن أجل لُقمة العَيش «Thinking For Living» وهَذا مَا نَقصده بـ»تَسليع المَعرفة»..!

لقد أرشدني إلى هذا اللقب أستاذي المفكر الدكتور «علي حرب» حين شرح هذا المصطلح في كتابه الجميل «أوهام النخبة»، وذكر أن مصطلح «عمال المعرفة» «knowledge worker»، ظهر في فرنسا في عام ١٩٨٠م على يد أصحاب المعارف المتعددة، من شغيلة الإعلام والعاملين في نطاق المعرفة، أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم علماء، بل وسائط بين المعرفة والناس.

«عُمَّال المَعرفة»، مِن المُصطلحَات المُتدَاولة في أدبيّات العَولمة والأعلَمَة.. وهو يُشير إلَى ولَادة فَاعل مُجتمعي جَديد، يَعمل ويُنتج كُلّ البرَامج والمَصَادر؛ لمُعَالجة المَعلومات، ومِن ثَمَّ تَحويلها إلَى «سلعَة مَعرفيّة»، وعَرضَها للبيع في السّوق..! أعرف أنَّ هَذا الكَلام فيهِ شَيءٌ مِن الغمُوض، لذَا دَعونا نُبسِّط المَسألة بهَذه القصّة، تَقول الحِكَاية: كَان هُناك «مُهندس» يَعمل في إحدَى الشَّركَات الزّراعية، وقَد كَان حَاذقاً في صيَانة الآلات، وبَعد مُدَّة استَقال مِن عَمله.. وبَدَأ يَعمل لصَالح نَفسه..!

وبَعد استَقالته بسَنة.. تَعطَّلت إحدَى الآلَات في شَركته القَديمة.. حَاوَلَت الشَّركة حَلّ المُشكلة ولَم تُفلح، ولَم يَكن أمَامها إلَّا خيَار وَحيد، وهو الاستعَانة بالمُهندس المُستقيل، وتَم ذَلك، وجَاء المُهندس ونَظر للآلَة، وبَعد دَقائق اكتَشف أنَّ أحد حَدَائد الآلَة؛ خَرَج عَن مَكانه، فضَربه بالمَطرقة وأعَاده إلى سِيرته الأُولَى.. وهكَذا صَلحت الآلَة.. وحِين جَاء وَقت الدَّفع طَلَبَ المُهندس (1000) دولار.. فاستَكثر أهل الشَّركة المَبلغ، وطَلبوا مِنه فَاتورة تَفصيليّة، فأعطَاهم المُهندس مَا طَلبوا عَلَى الشَّكل التَّالي:

المَبلغ المَطلوب: 1000 دولار!

دولار واحد: ثَمَن استخدَام المَطرقة!

999 دولاراً: ثَمن مَعرفة تَركيب الجُزء المُعطَّل!

وهَكَذا صَارت المَعرفة مَورداً مِن مَوارد الاقتصَاد..!

ومِن مَزايا «عُمَّال المَعرفة»؛ أنَّهم يُنفقون 38% مِن وَقتهم؛ في البَحث عَن المَعلومَات والمَعرفة.. ولَديهم خَلفيّة عَميقة في التَّعليم والخبرَة، وطَرائق البَحث..!

ومِن جهةٍ أُخرَى، «عُمَّال المَعرفة» يَعتبرون معرفتهم رَأس مَال مَعنوي، والاستثمَار فيهِ مهنَة مُمتَازة، بحَيثُ يُصبح مَصدراً كَافياً للدَّخل.. ولَعلَّ صَديقي عَامِل المَعرفة «فهد عامر الأحمدي»؛ أقوَى مِثَال في المَملكة عَلى ولَادة مُصطلح «عُمَّال المَعرفة»، فهو «عَامِل مَعرفة» بامتيَاز..! هَذا مَا يُمكن أن أقوله باختصَار؛ عَن مُصطلح «عُمَّال المَعرفة»، وهو مُصطلح مَا زَال يَنمو ويَكبر مَع الأيَّام، وقَد وُلد قَبل سَنوات مُصطلح «الإنسَان الوَسيط»، الذي يُعالج المَعلومة، ويُحضرها لتَكون صَالحة للاستخدَام المَعرفي..!

حَسناً.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: كَان العُلمَاء يُقسِّمون العُمَّال إلَى قسمين هُمَا: «عُمَّال اليَاقات الزَّرقَاء»، وهُم العُمَّال اليَدويّون «التَّنفيذيّون»، وقسم آخَر هُم: «عُمَّال اليَاقات البَيضاء»، وهُم «المُوظَّفون والكَتبَة»، ومَن يَعملون في المَكاتب، وقَد أضَافوا مُصطَلح «عُمَّال اليَاقات الذَّهبيّة - Gold Collars»، وهُم «عُمَّال المَعرفة» الذين دَمجوا بَين العَمَل في المَكتب؛ واستخدَام المَعرفة وتَسليعها..! إنني أفتخر بأنني أحمل هذا اللقب، وقد أطلقته على نفسي منذ بداية التسعينات، والآن أحتفل بمرور ربع قرن على التصاقي بهذا اللقب، فلقد تخليت عن كل الألقاب التي أخذتها بقوة القانون، مثل لقب: «الشاعر والكاتب والضابط والدكتور والشيخ»، كل هذه الألقاب تنازلت عنها، لأنها مرتبطة بمهن قد يتركها الإنسان، فأنا مثلاً؛ تركت الشعر، أما العمل في المعرفة، فهو مهنة ملاصقة للإنسان مدى الحياة، وهي تأكيد للأثر القائل: «اطلب العلم من المهد إلى اللحد».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store