Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

أنت تصنع أو تساهم في صناعتهم!

A A
وصفات طبية بعناوين محرضة على المتابعة، طبخات مشهية محرضة على المتابعة، عناوين جاذبة حتى تلك الخادشة للحياء، أصبحت متاحة ومشاعة على قنوات التواصل الاجتماعي، وفي الأجهزة المحمولة، بين يدي الجميع، رغم أن معظمها لا تحمل غير مضيعة للوقت، وربما تسببت في كارثة صحية، لأن تلك العناوين فقط لاجتذاب المتابعين، وتلك الخلطات التي تطيل الشعر أو تكثفه أو تمنع تساقطه، وتلك الخلطات لتفتيح البشرة أو شدها، ما هي إلا «سمك، لبن، تمر هندي» أشياء من اختراع صاحبة المحتوى، ربما دون تجربة.

حتى وصفات الطعام لا يمكن الوثوق في طعمها، أو أنها قد تُدمِّر الصحة، لكن ربما الفراغ أو إدمان المتابعة، أو الرغبة في المعرفة، هو المحرِّض على رؤية المحتوى، مهما كان متهافتاً أو مضراً أو بذيئاً، لكنك تدخل قائمة المتابعين، وتساهم في ارتفاع عدد المشاهدات، هكذا ببساطة!.

أجل، أنت وأنتِ، أنا ونحن، جميعنا مسؤولون عما يحدث في بعض وسائل الإعلام، أو في قنوات التواصل الاجتماعي!.

اسأل نفسك لماذا تتابع البرامج أو المسلسلات، أو مقاطع الفيديو، أو سناب وأخواتها، ومشاهدة يوميات أو مقاطع مَن سَاهَمْتَ في شهرته بإصرارك على المتابعة، رغم مشاعر الضيق والاستفزاز التي تُلازمك وأنت تُشاهد: تصرفات أو كلمات أو حركات تتعارض مع رغباتك، أو قناعتك، أو قيمك!.

أنتَ إذاً تساهم في صناعة نجوم ومشاهير بغير حق، بإصرارك على متابعتهم، وتداول المقاطع أو المشاهد التي استفزتك، أو التي لم ترق لك، كما يحدث كل رمضان عندما يبدأ برنامج رامز، رغم أن الجميع يجأر بالشكوى من سخف المحتوى، وأنه برنامج يُحرِّض على العنف، ويتضمن ألفاظاً غير لائقة، إلا أن نسب مشاهدته المرتفعة هي التي تجعل منتجو البرنامج حريصون على إنتاجه سنوياً مهما كلفتهم ميزانيته، لأن الإعلانات كافية لتغطية كل النفقات، بما فيها المبالغ الكبيرة التي تُدفع للفنانين وغيرهم من المشاهير الذين يظهرون في تلك المشاهد، ويتقبَّلون سيل التعليقات المسيئة والبذيئة من رامز، خلال وصولهم وتهيئتهم للقائه المرعب، وقبول كل ما يصيبهم في سبيل تلك الأموال التي يقبضونها مقدماً أو مؤخراً، لكنها أموال جديرة بالتضحية، مع أنك صاحب الفضل لا محالة!.

ذات الشيء يحدث لمشاهير السناب، عدد المتابعين هو الفيصل، هو الذي يفتح لهم مغارة علاء الدين، ويرفعهم فوق الأعناق، هو الذي يُحرِّض الجميع على اللهاث خلفهم لعرض منتجاتهم، أو استضافتهم في فنادق أو منتجعات، أو تحمل مصاريف رحلاتهم، أنتَ فتحت الحنفية ولم تُغلقها، فانهمر الخير عليهم لا عليك!.

وصول المتابعين للمليون، ثم يقفز العدد في غضون أيام إلى ملايين حدث؛ لأنك انصعت لنزعة الفضول التي تستعبد الإنسان أحياناً، تُحرِّضه على المتابعة لمعرفة ردة الفعل -مثلاً- في برنامج رامز، كذلك معرفة ردود الأفعال في المسلسلات، ومعرفة ماذا يحدث للآخرين، عبر سناب؛ للأهل والأصحاب، للقريب والبعيد، مَن يستعرض تفاصيل حياته وحركاته، من لا يترك شاردة أو واردة إلا وعرضها بتفاصيل التفاصيل ليُرضي نزعة الفضول عندك، ويحصد المزيد من المتابعين والمزيد من الأموال بجانب الشهرة، هذه الحالة التي يصل إليها مَن تَمكَّن من الوصول إليك، لم تعد الشهرة صعبة المنال، وتحتاج إلى سهر الليالي وجهد أو مال، فقط التعري بكل أشكاله، التعري ليس فقط جسدياً، بل تعرِّي العلاقات الإنسانية، خصوصاً تلك التي تصل إلى ذروة الخلافات، بين مَن جعلتهم مشهورين ومشهورات، بل بالعكس تفتح لهم باباً جديداً لمزيد من المتابعات، كل منهم يكيل للآخر ما شاء من اتهامات وبذاءات!.

نزعة الفضول هي التي تدفعك للمتابعة لرؤية المخفي والمستور؛ الذي يكشف عنه الحجاب شيئاً فشيئاً، كما تفعل الراقصة في الملهى، كلما تعرَّت لمعت أعين السكارى وطالبوا بالمزيد!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store