Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

هل تسرَّب إليك الملل؟!

A A
هل التواجد على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ضرورة للجميع؟!.

ربما في البداية كان عمل صفحة على الفيسبوك مدهشاً، والانضمام إلى مجموعة على الواتس أب مفرحاً، كذلك بالنسبة لتويتر وانستغرام، ثم سناب وتيك توك، كان مجرد الانضمام إلى إحداها أو إليها جميعاً؛ مثيراً، ويُشعرك أنك مطلع وذو خلفية تواصلية متينة مع العالم الافتراضي!.

نصائح الآخرين وتحريضهم للجانب الفضولي في شخصيتك، ربما يُورّطك لغزو كل قنوات التواصل، مشحوناً بالهِمَّة والفضول، يُعبِّئ طاقتك، ويُحرِّضك على المتابعة بشكلٍ متتالٍ، وهذا في حد ذاته، ربما يجلب لك متعة مؤقتة؛ ثم تنطفئ كل المشاعل التي أوقدتَها بالملل، من كثرة تكرار المحتوى، أو من العناوين والصور المخادعة والكاذبة، لاجتذاب متابعين، لتجد نفسك مُتورِّطا في مشاهدة محتوى مختلف كلياً عن العنوان، وربما يكون المحتوى مجرد إعلان لمواد تجميل أو تنظيف أو مكان، لكن الخطر الأكبر هو انتقالك من مجرَّد مُتابع سلبي يُشبهني، لا يتفاعل مع أي من المغريات، إلى الدخول في منطقة التجارب والذهاب إلى الأماكن، كالمطاعم والكافيهات، خصوصاً عندما تستدرجك عبارة: «خرافي، خرافي المكان»، لتُفَاجَأ بأنه مختلف تماماً عن المشهد الذي تَابعته بشغف!.

حتى الحكايات التراثية، لم تعد تكتفي باللف والدوران بين مختلف قنوات التواصل، وبالطبع مجموعات الواتس أب، وربما تصلك أكثر من مرة على الخاص، على صفحات الفيسبوك، بل إنها أصبحت محتوى لقنوات يوتيوب، كذلك المقولات والحِكَم لكُتَّاب وأدباء وفلاسفة، تحوَّلت إلى محتوى مَن لا يملك محتوى سوى الرغبة في التواجد، واجتذاب متابعين، لكن كل ذلك يأخذ من وقتك الثمين، من فرصة تواجدك مع أهلك، أصدقائك، برفقة كتاب، أي أن كل أوقاتك تحوَّلت إلى هدر، أمام هذا الكم الهائل من المعاد والمكرَّر، أو التافه وعديم المصداقية!.

قبل أن يصبح لديَّ اشتراك في سناب، كان الكل ينتقد جهلي، ويُحفِّزني بل يُحرِّضني على الاشتراك. كل صفحاتي على قنوات التواصل لم أبذل جهداً فيها، بل تطوَّع آخرون -جزاهم الله خيراً- لتسجيلي فيها، وعندما وجدتُ بين يدي سناب، يا فرحتي! سأقبض على المتعة، وأُشاهِد العَالَم وأنا في مكاني، ولكن للأسف، تحوَّلت الفرحة إلى ملل، واكتشفتُ كمية الكذب والتضليل والتفاهة، وتعرَّفتُ على بعض مَن أُطلَق عليهم مشاهير السناب، لا أعرف هل الشهرة في استعراض حياتهم اليومية، حتى وهم يحتسون قهوتهم، ويتناولون وجباتهم، ما هو الممتع في متابعة هذه اليوميات المملَّة، أو متابعة عرض منتجات ربما ليست بالجودة التي تُقدَّم بها، لكنه نوع من الكذب والتدليس، الذي أصبح احترافاً، وتحوَّل إلى فن تسويق أيضاً، والضحية هم المتابعون، الذين يتوالدون ويتكاثرون بإغراء بعضهم بعضا!.

في مجموعات الواتس أب التي أُسِّست للتواصل، لا تجد لحقيقة هذه الكلمة حضوراً، لأنه لا يوجد تواصل، فقط مواد مكرَّرة، وصور صباح الخير، ومساء الخير، وجمعة مباركة، وغيرها من المواد الدينية، حتى تفسير الآيات القرآنية أصبح مادة من مواد قنوات التواصل.

أُقدِّر أن معظم مستخدمي تلك القنوات؛ ليس لديهم محتوى خاص بهم لإرساله، وأُقدِّر هذا وأحترمه، لكن هل من الضروري التواجد الوهمي وأنت تقتات على جهد الغير، حتى المقالات أصبحت تلف وتدور بدون اسم الكاتب، هل حمى التواجد ووهم التفاعل هو في إرسال المكرَّر والصور والرموز؛ التي لم تُبذَل فيها جهداً غير إعادة الارسال فقط؟!.

لستُ ناقمة، لكني مللتُ، مَن يُحاول نُصحي بالتوقف عن المتابعة، فأُبشِّره بأني أفعل كثيراً، لكن هذا تسبَّب لي في كثير من الإحراج عندما لا أكون ضمن المهنئين أو المعزِّين، لأنه ببساطة مر الخبر دون أن أراه، هي الصدفة التي تقودني إلى معرفة الحدث أو المناسبة، لأن المحتوى غير المهم فاض وأغرق المهم، هذا الحال مع هذه التقنية، تقنية التواصل، إن اقتربت وإن ابتعد، فأنتَ تخسر وقتك، راحتك، أو صداقتك، وربما قرابتك!.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store