Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سعود البلوي

كارثة أغسطس (2)

A A
في أواخر مارس 1989 زار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بغداد، وعرض عليه صدام حسين توقيع اتفاقية «عدم اعتداء»، وكان الأمر مفاجئاً وغريباً، ولم ينبئ عن نيَّة مُبيَّتة لمهاجمة صدام الكويت، وفي ختام الزيارة وقعت اتفاقيتان بين المملكة والعراق، الأولى عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام القوة بين المملكة والعراق، والثانية اتفاقية تعاون أمني بين البلدين.

وفي سبتمبر 1989 زار أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح -رحمه الله- بغداد، تلبيةً لدعوة رسمية، وكان صدام حسين أول مستقبليه، واحتفت وسائل الإعلام العراقية بهذه الزيارة، كما زار صدام الشيخ جابر في مقر إقامته، وقدَّم له هدية تذكارية عبارة عن قطعة سلاح من الذهب، وقال كلاماً مسبوكاً في أهمية العلاقات الأخوية التي تربط البلدين، إلا أن كل ذلك كان من قبيل الخداع!.

إذ مارس صدام الخداع طوال تلك الفترة، حتى على جيشه، فنيّته في غزو الكويت تبلورت في عام 1989، حيث استمرت تدريبات القوات الخاصة العراقية منذ انتهاء الحرب مع إيران حتى قبيل احتلال الكويت بخمسة عشر يوماً، وكأنما كان الجنود يتهيؤون لمعركة جديدة ومختلفة.

وزُرعت في أذهان الجنود فكرة مضمونها: أن التدريبات تمهيد لتحرير فلسطين، ووفقاً لذلك بُنيت أهداف تشبه المستوطنات، لتدريب الجنود على تدميرها واقتحامها، وهذه الأهداف موجودة في عدة مدن عراقية منها: كركوك والسليمانية والحبانية، ومُرِّرت في أذهان الجنود فكرة أخرى هي الأخطر، تتمثل في أن تحرير فلسطين لابد أن يبدأ من السيطرة على بعض دول الجوار، خاصة الكويت والسعودية.

وفي ظل طموح صدام في الزعامة والتوسع، كان أمام معضلتين صنعتهما يداه: كم هائل من أفراد الجيش وصل تعداده إلى المليون، وديون غرقت بها بلاده جراء حرب الثماني سنوات، فخرجت مديونة بحوالى 42 مليار دولار، ووصلت نسبة التضخم إلى أكثر من 300%.

وقد أكد الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في حديث متلفز للوفد الشعبي الكويتي بعد تحرير دولة الكويت، أن صدام رأى أن لديه أكبر قوة عربية، وفكر أنه لا بد أن يستعمل هذه القوة بشكل أو بآخر، وأنه أكد للملك فهد بأنه لديه 60 فرقة عسكرية بعد انتهاء حربه مع إيران، لا يعرف ما يفعل بها، فاقترح عليه الملك فهد أن يصرف الجنود، ويوزع عليهم الأراضي الزراعية، ليسهموا في بناء بلدهم ذي الثروة المائية والزراعية.

كان صدام يطمح ويحلم بأن يكون زعيم العرب الأوحد، وأن تكون العراق الدولة المحورية الوحيدة المسيطرة في العالم العربي، وهذا ما جعله يفكر بغزو الكويت، ولجأ إلى افتعال المشاكل علناً منذ مارس 1990؛ من خلال بناء موقف عام وتصعيده، تمثّل في اتهام الكويت والإمارات باتخاذ سياسات نفطية تضر بالعراق، بل إن صدام حسين أعلنها صريحة خلال مؤتمر بغداد الطارئ في 30 مايو 1990؛ بأن للحرب أنواعا، أحدها بالاقتصاد، وهي «نوع من الحرب على العراق»، وبذلك حملت لغته تهديداً ضمنياً عزاه إلى الحالة الاقتصادية البائسة لبلاده، وأنه لا يقدر على احتمال هذه الحرب الاقتصادية.

ثم انزلق الموقف إلى اتهام الكويت صراحةً بسرقة نفط حقل «الرميلة» المشترك؛ في ظل انشغال العراق بحماية «البوابة الشرقية» للأمة العربية.

وتمهيداً لصناعة قاعدة جماهيرية مؤيدة في الكويت، زار حامد الملا الملحق الثقافي في السفارة العراقية بالكويت عدداً من الشخصيات النخبوية الكويتية في يوليو 1990، منهم برلمانيون سابقون، وسياسيون وإعلاميون وغيرهم؛ لدعوتهم إلى احتفالات «ذكرى تموز»، وكان يصر على حضورهم والاهتمام بهم، مؤكداً لبعضهم تجهيز طائرة خاصة لتقلهم إلى بغداد.

وفي 17 يوليو 1990، التقى وزير الإعلام العراقي لطيف نصيّف جاسم بالمدعوين، وسمعوا منه ما أكد نية غزو الكويت، إذ ذكر بداية تضحيات العراق في حماية «البوابة الشرقية» للعرب، كما أبدى دهشته من أن الكويت والإمارات تنكرتا لهذه التضحيات باستنزاف نفط العراق، وختم اللقاء بقوله: «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»!.

كان هذا اللقاء تهديداً صريحاً، فلم ينم أعضاء الوفد الكويتي تلك الليلة في بغداد، بل عادوا مستائين من دون توفير طائرة خاصة لهم!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store