Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. أحمد بن داود المزجاجي

ذكريات في الغُرْبة

A A
يوجد فرْقٌ كبير بين من يذهب إلى أوروبا أو أمريكا للدراسة، وبين من يذهب للسياحة أو لغيرها.. نعم.. قبل أكثر من 30 عاماً ذهبتُ للدراسة ولم يكن لديّ قدْرٌ من اللغة الإنجليزية يساعدني في احتياجاتي اليومية اللازمة والظروف الحياتية في المملكة كانت مختلفة تماماً كاختلاف الليل والنهار والمشرق والمغرب.. مكثتُ في فندق صغير «موتيل» شهرين على أمل أن أعود إلى المملكة في أسرع وقت ممكن؛ لأن الوضع لم يعجبني بتاتاً في تلك الفترة، ولكن الملحق الثقافي السعودي المنقور آنذاك، -رحمه الله-، كان خبيراً في التعامل مع أمثالي من المستجدّين الغرباء، ومصرّاً على تسجيلي في معهد اللغة الإنجليزية.

وقد أكرمني الله تعالى بشخصين من الرياض كانا يدرسان في نفس الجامعة التي قبِلتني لمرحلة الماجستير، وهي جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس.. هما: الأستاذ إبراهيم الهبدان والأستاذ إبراهيم السحيباني، (رحمهما الله أحياءً وأمواتاً وبارك في ذرّيتهما).. ولأول مرة أرى ملَكَين من السماء يمشيان على الأرض لطيبتهما وسموّ أخلاقهما، ومعهما الأخ مهندس عبدالله الماضي عضو سابق في مجلس الشورى.. وفعلاً كانوا حريصين جداً لإخراجي من الفندق والبحث عن سكن لي قريب من الجامعة (سبحان الله أحدهما يَسْحب والآخر يَهْبِد).. واقترحا عليّ أن أسمحَ لحديثي العهد بالإسلام من الأمريكان أن يسكنوا معي مجاناً، فوافقت، وقد كنت أعزباً.. وكان أولئك الإخوة بيضاً وسوداً لهم نور عجيب يشعّ من وجوههم، فأعود من معهد اللغة من الجامعة وأتحدّث معهم بلغة مكسّرة، فيصححون نطقي لها، وكانوا مجالاً خصباً لممارسة اللغة الإنجليزية بصورة مُثْرية ومفيدة، حيث تمكنتُ في فصل دراسي واحد من تحسين لغتي تحدّثاً وكتابةً.

لقد عاشوا معي شهوراً، يعودون من أعمالهم إلى بيتي بكل سهولة ويُسْر، حتى في نهاية الأسبوع أذهب معهم إلى الكنائس، وإلى أهليهم لدعوتهم إلى الإسلام، وتعلمتُ منهم الكثير عن المسيحية وأباطيلها، وكنت أسجّلها في مذكّراتي مما ساعدني على تأليف كتاب لي في الدعوة بعنوان (It Is Up To You)، وقد حكّمه وأجازه إمام الدعوة في العالم الشيخ أحمد ديدات (رحمه الله) وأوصى بنشره، وبعد عودتي من أمريكا، تفضّل أحد المحسنين السعوديين المهتمين وهو الأخ عبدالقادر حافظ (جزاه الله خيراً) بطباعة 14000 نسخة، تم توزيعها مجاناً في أوروبا وأمريكا ولله الحمد. القصد من سرْد هذه الذكريات هو توجيه رسالة إلى كل مبتعث مفادها: إن النيّة مطيّة.. ولأن طلب العلم عبادة، أحسنوا نياتكم أيها الإخوة المبتعثين مع الله؛ تفلحوا في الدنيا والآخرة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store