Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

رحيل خوجة.. وجيه الثقافة

A A
فجع الوسط الثقافي والأدبي يوم السبت الماضي 21 أغسطس 2022م، بوفاة وجيه الثقافة، صاحب الاثنينية الأديب ورجل الأعمال الشيخ عبدالمقصود خوجة. الرحيل حتمي، لكن لرحيل الكبار وخز ينخر في عمق المشهد الأدبي أو الثقافي، العلمي أو الاقتصادي، حسب المكانة التي يشغلها الراحل في مجتمعه أو وسطه، لذلك كانت فجيعة رحيل الوجيه «خوجة» كبيرة وعميقة، لما قدَّمه خلال حياته للمثقفين والثقافة، ليس فقط في مدينة جدة، بل للمثقفين والأدباء والعلماء في وطننا وفي الوطن العربي من خلال أمسيات تكريم الشخصيات البارزة في مجالها، والتي عملت اثنينية خوجة على هذا التقليد التكريمي منذ تأسيسها حتى توقفها عن نشاطها الثقافي الأسبوعي، عندما اضطر الوجيه إلى إغلاقها بسبب المرض.

تأسس منتدى الاثنينية الثقافي الأدبي في مدينة جدة عام 1403هـ، 1982م، تم من خلاله تكريم 440 عالما ومفكرا وأديبا منذ تأسيسه. عند رحيل رجل بقامة الوجيه خوجة، لا بد أن تتدفق المقالات من كل محب، تضطرب داخله مشاعر الحزن، ويمتلك رؤية تلامس جانبا من الجوانب الإنسانية أو الفكرية والأدبية المضيئة للراحل، كأن يكون قريبا منه، أو التقى به وتحدَّث إليه، لذلك لا يتحرك قلمي ولا يسيل حبري رغم حزني في مواقف رحيل كثير من العظماء أمثال خوجة رحمة الله عليه وعليهم، لكني مع الوجيه لديّ القليل الذي يستدعي الكتابة، والإفصاح عن الحزن الذي شعرت به، كما شعر به كل المثقفين والأدباء في وطني وفي الوطن العربي.

حضرت اثنينية عبدالمقصود خوجة مرات قليلة جدا، وشاركت مرة في الحديث ضمن عضوات مجلس إدارة الجمعية النسائية الخيرية الأولى خلال أمسية تكريم الجمعية ومؤسساتها وعضوات مجلس الإدارة، كانت مبادرة مهمة لتقدير جهود نساء الخير، في محفل ثقافي أدبي بحضور جماهيري كبير، فبالإضافة للتكريم، تم تعريف الحضور بجهود الجمعية، ودور المرأة السعودية التي حملت على كاهلها عبء العمل الخيري منذ البداية، لم يكن هذا ممكناً لولا مبادرة التكريم التي قدمها الوجيه ليس فقط للجمعية، بل للعمل الخيري في المملكة وللمرأة السعودية. المرة الثانية عندما رحل الأديب حسين سراج، أرسل لي مكتب الوجيه «خوجة»، الأعمال الكاملة للراحل سراج، عشرة أجزاء، في طباعة وتجليد فاخرين، هدية قيمة جداً طبعها الشيخ عبدالمقصود خوجة مع العديد من الأعمال لكبار رموزنا، التي كان يمكن لها أن تندثر لو لم تمتد إليها يد أمينة محبة لصونها، كما فعل صاحب الاثنينية.

كيف غفلت الأندية الأدبية عن أدب الكبار؟، أُكرِّر دعوتي للأندية الأدبية -بعد أن تقوم من كبوتها الاقتصادية ويتحقق لها الدعم المادي المنشود- أن تُعيد طباعة تلك الأعمال في طبعات شعبية متفرقة، ليتسنَّى للراغبين اقتناؤها، بحيثُ تُصنَّف حسب موضوعاتها، حسبهم أنهم لم يبذلوا الجهد الذي بذل في البحث والجمع، كما ذكر الوجيه في تقديمه لأعمال حسين سراج:

«بدأت مرحلة شاقة من البحث وحصر الأعمال التي كان معظمها متناثراً، وخضعت لمعايير صارمة من المراجعة والتدقيق أثناء مراحل الطباعة المختلفة».

المرة الثالثة عندما حضرت مع العزيزة مها فتيحي مؤتمر الصالونات الأدبية، ممثلتان لصالون المها الأدبي الذي عقده الوجيه في داره في جدة برئاسته، واستضاف فيه رؤساء الأندية الأدبية من مدن المملكة، وأصحاب الصالونات الثقافية.

تلك المرات مرتبة حسب الأهمية لا الأسبقية، كانت مهمة وجديرة بسردها في هذه المقالة التي حاولت فيها المشاركة في رثاء قامة أدبية وثقافية كان لها بصمة واضحة ومؤثرة في مشهدنا الثقافي عامة.

هكذا عملت الاثنينية على إحياء إرث الأدباء، جمعه وتدقيقه، ثم طباعته وتوزيعه مجاناً، رجل مؤسسة، أو مؤسسة في رجل، هكذا أحدث حراكاً في المشهد الثقافي ليس فقط في مدينة جدة. الرحمة والغفران للراحل وجيه الثقافة عبدالمقصود خوجة، ولأهله وأحبته الصبر والسلوان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store