Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الهجوم على ميت!

A A
الصمت في كثير من المواقف والحوادث والأحداث أكثر بلاغة وحكمة من بعض أو معظم الكلام، وفي مواجهة الموت يكون الصمت لغة راقية، نواجه بها تلك الحالات التي لا نستطيع سبر غورها بعلمنا المحدود، ولا معرفة الصواب والخطأ لبعض العبارات والأدعية التي يمكن أن ترد على ألسنتنا بشكل تلقائي، لكن الخوض في آخرة الراحلين وتكفيرهم، والاستهزاء بموتهم، أو الشماتة فيهم، هذا هو الأمر الجلل الذي ربما يقودنا إلى ارتكاب الذنوب والآثام، ويوردنا مورد الهلاك.

نعلم يقيناً بأن رحمة الله وسعت كل شيء، مع ذلك يخوض بعضنا في هذا المجال، مجال رحمة الله الواسعة الشاملة؛ التي لا يحيط بها إنسان مهما كان قربه من الله. عِلْم الإنسان مهما اتّسع يظل ناقصاً، بل لا شيء أمام علم الله سبحانه وتعالى، فالدين عند الله الإسلام، أي التوحيد المطلق بألوهية وربوبية الله سبحانه وتعالى لا شريك له، والإيمان بالله سبحانه وتعالى ليس حصراً على المسلمين، بل من غير المسلمين مؤمنون بالله واليوم الآخر، لذلك ذكرهم الله سبحانه في محكم تنزيله، قال تعالى: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون». (62 البقرة).

لا أريد أن أفتي أو أخوض في مسائل الدين، أو قضايا الكفر والإيمان، لكن لفت نظري خوض الكثيرين والكثيرات، في قضية الكفر والإيمان خلال الفترة الماضية، وقضية «الرحمة» بشكل خاص.

كذلك لست بصدد الخوض في مجال تصنيف الأديان أو الشرائع كما صنفها العلماء، باعتبار أن الدين عند الله الإسلام، وأن ما تعارف عليه منذ القدم بالدين المسيحي واليهودي، هي شرائع، وليست أديان، فهو اجتهاد العلماء الذي لا يتوقف إلى يوم الدين. لكن العلم الصحيح عند الله. هكذا نحن نؤمن بالله وبالكتاب والملائكة والرسل، هذا الإيمان لا بد أن يشمل القناعة التامة بأن رحمة الله وسعت كل شيء، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

عندما رحل عن دنيانا مفكرون وأدباء اصطدمت أفكارهم مع أصحاب الفكر المتطرف، انهالت المقالات والكلمات في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضها في صحف ومجلات محسوبة على التيار المتطرف، كلها تتحدث عن فكرة واحدة، وهي فكرة المصير، وتنعتهم بأقذع الكلمات، وتداول العامة تلك المقالات، ومعظمهم ربما لم يسمع بهم إلا عندما فتحت عليهم نيران صديقة، أي ممن ينتمي لدينهم وملتهم، لأن أولئك الموتى لم يدخلوا تحت عباءة هؤلاء، ولم تخفت أصواتهم أمام سطوة أصحاب الفكر المتطرف، لم يتركوا رذيلة إلا وصفوا بها الموتى، حتى أنهم كفَّروهم وأخرجوهم من رحمة الله.

الحكم بالظاهر، الذي يتكرر عند رحيل شخصية لها أفكار أو إنتاج فكري أو أدبي لا يروق لأصحاب الفكر المتطرف، فيُهاجمون ميت، بالحكم على مصيره وبكامل اليقين؛ أنه هالك ومن أهل النار. إنسان غادر الدنيا بخيره وشره، لا أحد يعلم ما هي علاقته بربه، وماذا صنع في السر والخفاء من الصالحات، لكن على النقيض من ذلك، تجد فيض من المقالات والرسائل المبشرة بمصير من ينتمي لنفس التيار؛ بأنه ذاهب حتماً ولا محالة إلى جنة الخلد! فتلك قضية تنافي إيماننا برحمة الله الواسعة، وأن مصيرنا جميعا بين يدي الله.

مَن منَّا يملك اليقين حول مصيره حتى يقرر مصائر الآخرين، مَن منَّا يعلم خاتمته حتى يخوض في خاتمة الآخرين، سواء من ينتمي لديننا أو لدين أو شريعة أخرى؟، ربما آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا، ولم نطلع على قلوبهم، ولم نعلم عن أعمالهم في الدنيا شيئاً، لكننا تنبأنا بل قررنا مصيرهم المحتوم دون خجل من الله سبحانه وتعالى، الذي يحيي ويميت، وبيده الأمر كله سبحانه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store