Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

إذا كلّمته لا يسمع..!

A A
لكل زمان رونقه وجماله، ولكل جيل أسلوب حياة وتفكير يتسق مع معطيات عصره وزمانه، مع ذلك يظل الجيل القديم ينعي حظ الجيل الجديد، الذي لم يحظ بما حظي هو به، بينما يشعر الجيل الجديد بالأسى على الجيل القديم لأنه لم يحظ بما حظي به هو؛ من تقدم ومعطيات حديثة مريحة - من وجهة نظره - سواء في طريقة المعيشة، أو العمل، أو الحياة بشكل عام.

يتميز الجيل القديم بتجاربه وذكرياته، وسنوات العمر التي تعيد التوازن لروح المرء وعقله وقلبه، فلم يعد يركض خلف الأحلام، يتقبل الآخرين بفهم اختلافهم وثقافتهم ومحيطهم، يتناسى الزلات، وربما لا ينسى، لكنه يصبح أكثر تسامحا، وربما يغفر لمن أساء إليه وهو يردد بينه وبين ذاته لم يعد في العمر قدر ما مضى كي أنفقه في التفكير في الحزن والزعل أو الغضب.

كل التجارب التي يخوضها المرء في غمار الحياة، تمنحه مفاتيح أبواب فهم للحياة بعمق. فالمرء يصبح قويا بتجاربه، وراضيا بما حصده في رحلة الحياة، وقانعا بالقليل من كل شيء، حتى الفراشات الملونة الجميلة تصبح طيورا وصقورا وغربانا، أما في مرحلة الشباب، فالأحلام تتحول إلى أطماع، واستحواذ، هي هذه شعلة الإرادة التي يجب أن يتحلى بها الجيل لينتج ويبدع في عملية البناء والخلافة التي خلقنا الله لها.

ذاكرة الجيل القديم تئن بأحمال الماضي، بكل أحزانه وأفراحه، لكن لا تخفت ذكريات الطفولة وأيام الدراسة، ذكريات الأسرة، والأصدقاء، تظل مضيئة؛ مهما تكاثرت عليها الأحمال المعتمة. ربما لذلك يمثل الماضي لكل جيل - عندما يتقدم به العمر - الزمن الجميل.

يظل الماضي زمنا جميلا لكل جيل، مهما كان الزمن الذي عاش فيه الإنسان طفولته وشبابه، قاسيا ومشحونا بالأحزان، لكن لا تخسر لحظاتك الجميلة، سواء كانت مع ذاتك، أو مع كتاب، أو بصحبة الأهل، أو الأصدقاء، أو منح بعض الوقت لمساعدة الآخرين، لأنك لن تتمكن من تعويضه، لأنه ليس بإمكانك الرجوع خطوة، فالعمر قاطرة تسير إلى الأمام ولا ترجع إلى الخلف.

ربما مرت عليكم في طفولتكم أو شبابكم قول الكبار عنكم: «هذا جيل إذا كلمته لا يسمع، وإذا أطعمته لا يشبع»، لا زالت هذه العبارة تصف جيل اليوم، وربما تظل تتكرر مع كل جيل!.

نحن نظلم الجيل الجديد عندما نحاكمه بقيم زماننا، ونطالبه بأن يكون نسخا مكررة منا، كيف تعمر الأرض، عمارة الأرض ليست فقط بالتكاثر، فالأرانب تتكاثر بسرعة لكنها لا تعمر الأرض، عمارة الأرض بالعقول التي تفكر وتبدع وتخرج من ثوب أبيها، وترتدي ثوبا يناسب عصرها، لا نريد الانعتاق من الماضي، لكن لا نريد العودة إليه، أو الوقوف عند أبوابه الصدئة، إذا عجز الجيل القديم عن التأقلم مع الجيل الجديد، فهذا يعني أنه بحاجة إلى أن يتصالح مع حاضره ومتغيرات عصره، لينظر إلى الأجيال الجديدة وهي مسرعة الخطى في علمها ونهضتها.

هل لا زالت مقولة «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة»؛ طريقة لاستحواذ الكبار على العلم والمعرفة في زمانهم، وأزمنة تغيرت معطياتها ولم يعد لهم فيها بصمة إصبع، كأن ماضيهم خُطً على صفحة مياه البحر تبتلعه الموجة إثر الموجة، أو على وجه رمال صحراء تمحوه الرياح وتبدد ذراته في الهواء، أم أن التقنية مختلفة عن الوعي والخبرة والتجربة التي تصل بالإنسان إلى الحكمة والحكم على الأشياء بمنظار العقل لا العاطفة؟.

ربما هذا هو صراع الأجيال الأزلي الأبدي، فلا مجال لتغيير مساره، أو الخوض لوقف تدفقه وتجدده من جيل لجيل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store