فأردتُ أن أعيبها

إحدى العِبَر الواردة في قصّة مُوسى عليه السلام مع سَيّدنا الخِضْر عليه السلام، هي خَرقُ السفينة حيث كان في ذلك «العَيْب» كل الخير لأصحاب السفينة.

تُظهِر هذه القصة كيف أنّ العَيب «الظاهر» قد يستجلب خَير «خفي».. نحن كثيراً ما نواجه في حياتنا، مع العائلة أو الأصدقاء أو في العمل أو في الدراسة أو في التجارة، أموراً سلبية ومنغصّة تَحوُل دُون كمال تحقيق الهدف الذي نتمنّاه أو نطمح إليه. وقد نرى الخير في اتجاه معيّن ونرغب بشدة في أخذ الطريق إليه، فإذا ما أخذتنا الأحداث إلى طريق مختلف، نستاء ونمتعض.

إن الحكمة في تقييم الأمور، تتطلب النظر إلى الصورة الكلية وعدم الوقوف عند الجزئيات، فرغم أن خرق السفينة كان في ظاهره عملا يعيب السفينة، إلا أنه بعد وضع ذلك «العيب» ضمن الصورة الكبيرة اتضح بأنه في الحقيقة ليس عملا سلبيا بل هو عمل إيجابي، حيث إن ذلك «العيب» كان السبب في احتفاظ أهل السفينة بها وعدم مصادرتها منهم بالكامل.

لذلك، فإن الحكيم، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، يستقبل كل الأحداث (سواء كانت سلبية أو إيجابية) بطمأنينة وارتياح... ثقةً بالخير المتحقق عند التسليم بقضاء الله. فـ[عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له].

إن المؤمن يدعوا بالخير دوماً، إلا أنه في حال حدوث ما لا يَسُر، فإنّ نفسه متمرّسة على حُسن الظن بأن يأتي اليُسر بعد ذلك العُسر، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، حتى وإن طال العُسر أو تكرر فلن يغلب عُسرٌ «واحد» يُسرَين «اثنين».

إن التعامل بإيجابية مع المُنغّصات لا يعني الانهزام والسكون، فالمتوكّل يأخذ بالأسباب ويتعامل بإيجابية مع المُنغصّات إن حدثت، بينما ييأس المتواكل ويتذمّر عندما يواجه المُنغّصات.

أخيراً، جدير بالملاحظة في هذه القصة تأدّب الخِضر عليه السلام في نسبة ذلك العمل لنفسه {فَأَرَدْتُ}، وذلك تنزيهاً عن نسبة الأمر غير الإيجابي إلى الله عز وجل، رغم أنه قام بالعمل تنفيذاً لأمر الله عز وجل {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}.. اللهم أرزقنا حُسن العمل وحُسن التوكّل وحُسن الأدب.

@mtsimsim