Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

منسوجات.. وملابس المملكة التقليدية

A A
قبل سنوات طويلة، توقفت -في مناسبة اجتماعية- طويلا أمام ثوب نسائي تراثي مطرَّز بالفضة المعدن، لا خيوط القصب المعروفة والمعتادة في التطريز. كان الثوب محفوظا بالزجاج بالكامل؛ حتى لا يتم لمسه، لأن عمره تجاوز المائة عام تقريباً، حصلت عليه مؤسسة منسوجات من إحدى قرى مكة أو جدة، خلال بحثها في القرى والمدن عن الأزياء التراثية النسائية والرجالية.

مضى الأمر، لكن فكرة إحياء تراث الأزياء تُراود شغفي كلما حضرت مناسبة ورأيت أزياء الهند والسند، وأخرى تركية ومغربية وإسبانية، إلا أزياءنا التراثية الجميلة المتنوعة، والتي تُميِّز كل منطقة من مناطق مملكتنا الثرية بالمكان والإنسان، حتى وصلتني دعوة كريمة من الشريفة «مها آل غالب» لحضور حفل توقيع كتاب: ملابس المملكة العربية السعودية التقليدية، إنتاج وتصميم وإعداد مؤسسة منسوجات الخيرية، إلا أني سهوت عن الموعد، ولم أتذكر إلا في اليوم الثاني.

العزيزة «مها» أكرمتني مرة أخرى بإرسال نسخة من الكتاب المصور باللغة العربية، لأن منه نسخة أخرى باللغة الإنجليزية، والذي يحكي عن مناطق المملكة، ويُفصِّل في وصف وشرح أزياءها التراثية، بأسمائها القديمة.

الكتاب من القطع الكبير، 320 صفحة، مقسَّم فصول حسب مناطق المملكة، يحتوى كل فصل على نبذة تاريخية عن المنطقة، وصور الأزياء بمكملاتها، وشرح مفصل حتى لطريقة اللبس، وبعض الغرز المستخدمة في تطريز الثوب أو الحزام مثلا.

بالرغم من أني رأيت منذ صغري النساء في حفلات الزفاف في الطائف والهدى وفي مكة المكرمة، وهن يرتدين ملابس تُميّزهن، ومعظمها صناعة يدوية بالكامل، حيث تبدأ الفتاة بخياطة ثوب زفافها منذ نعومة أظفارها، ويصبح بعد ذلك هو الزي الذي تحضر به كل مناسبة، إلا أني لم أكن ملمة بكل هذا الثراء والأناقة في ملابس الرجال والنساء الذي تتميَّز به مدن مملكتنا وقراها، لذلك ظللتُ لأيام لا أفارق الكتاب، أتأمَّل في كل هذا الجهد الذي بذلته مؤسسة منسوجات.

تأسَّست مؤسسة منسوجات الخيرية بالمملكة المتحدة على يد مجموعة من النساء السعوديات، يجمعهن الاهتمام المشترك بأزياء المملكة العربية السعودية وتراثها. اهتمت المؤسسة بالحفاظ وإحياء تراث المملكة من أزياء تقليدية ومنسوجات وأنماط تطريز. كذلك تقوم بعمل البحوث الأكاديمية حول تاريخ وثقافة المنطقة، لتعزيز وزيادة الوعي العام بهذا التراث الفريد.

يحتوى الكتاب على مقدمة حول تاريخ الملابس بالمملكة، ونبذة عن القبائل وملابسها: ثقيف، هذيل، الجحادلي، بني سعد، بني مالك، قحطان، يام، الرشايدة، سليم، وحرب. وكذلك عسير، الباحة، جازان، نجد، واحة الأحساء، حائل ومدن الحجاز.

ضم الكتاب صور الأزياء التقليدية؛ مع شروح تُوضِّح تاريخ أخذ صورة الزي، وإلى أي مكان ينتمي، كذلك شروح تفصيلية لمكونات الزي؛ كالأحزمة وأغطية الرأس، والخامات المصنوعة منها، وكيفية ارتدائها مع الزي الأصلي، كالقرقوس، والمسفع، والقناع «البيرم». الثوب المسدح، ثوب نمور وادي محرم. الحقائب النسائية المصنوعة يدوياً.

صور لبعض المباني التراثية لعدد من المناطق، وبعض الموجودات التراثية من مناطق المملكة؛ كما هي الأزياء التي تُميِّز كل منطقة من مناطق المملكة الباذخة الثراء الكمي والنوعي. الكتاب ثمرة أربعة عشر عاماً من البحث والتوثيق بإشراف منسوجات. ساهم في التأليف نخبة من الأكاديميين والأكاديميات والكتاب.

أتمنى أن يكون هذا الكتاب نواة لصناعة أزياء تراثية طبق الأصل بشكل تجاري موسع، بدلاً من الأزياء المشوهة التي لا تنتمي لتراثنا، ويُبرِّرون انتماءها للتراث بأنها مطورة! طالما أننا نملك هذا التراث الجميل يحق لنا أن نزين به حفلاتنا ومناسباتنا، وأن نجده في أسواقنا بخامات طبيعية دون مبالغة في الأسعار، كما تفعل بعض المشاغل التي شوهت كثيراً من أزيائنا، ومع هذا تبالغ في أسعارها، مما صرف المجتمع عنها إلى أزياء دول أخرى لا تنتمي لتراثنا. جهد عظيم يستحق الشكر، كما يستحق الكتاب أن يكون مرجعاً للدارسين والباحثين، وفي كل مكتبة منزلية.

شكراً مؤسسة منسوجات، وشكراً غاليتي «مها» على هذا الإهداء القَيِّم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store