Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

عصب السينما والدراما

A A
السينما والدراما تقومان على عناصر متعددة، كالعمارة. الكتابة هي العصب الذي يُحرِّك بقية العناصر، والأفلام المصرية التي لا زالت تعيش في وجداننا، ولا زالت تُمثِّل العصر الذهبي للسينما المصرية، مأخوذة عن روايات لكبار الكُتَّاب. فيلم «زينب»، هو أول فيلم مصري مأخوذ عن رواية زينب، لمحمد حسين هيكل، عام 1930م. وفي تحقيق بعنوان: «السينما المصرية عندما اقتبست من الروايات العربية والعالمية»، الاثنين 14 يونيو 2021م، علي عطا، أورد فيه إحصائيات لعدد الأفلام المأخوذة عن الأدب، نقلا عن كتاب: «الاقتباس من الأدب إلى السينما في تاريخ مشترك». من 1930- 1960م، اعتمدت السينما المصرية على المصادر الغربية، ومن 1952م، اعتمدت على الأدب العربي والواقعية، التي كانت هي التيمة السائدة في الروايات المصرية، بلغ المقتبس من الأدب منذ فيلم زينب «1930- 1962م» 52 فيلما، وما بين 1930 و2019م، «360» فيلما، أفلام مأخوذة عن روايات؛ نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، عبدالرحمن الشرقاوي، يوسف إدريس، يحيى حقي.

ما ذكرته سابقاً يؤكد أهمية الأدب للفن السينمائي والدرامي، وعندما ابتعدت السينما عن الأدب، سقطت معظم الأفلام، وأصبحنا نردد عبارة: «زمن الفن الجميل»، وظهرت أفلام تُروِّج للعنف والمخدرات، والعري والابتذال، والمشاهد المقحمة على العمل لجذب الجمهور، الذي لم يقرأ الأدب العربي أو الغربي، ووجد في تلك الأفلام متعة حسية، وملء فراغ، وتمضية للوقت لا أكثر.

إذا أردنا نجاح السينما السعودية، لابد من قراءة الأعمال الروائية بعمق، واختيار ما يناسب منها لإنتاج أفلام تُعبِّر عن ثقافتنا وبيئتنا، وكما تهتم صناعة السينما بالممثل والمصور والمخرج، لابد أن تهتم أيضاً بالكاتب، ليس كل من أخذ دورة كتابة سيناريو وحوار؛ مناسب لكتابة عمل سينمائي، أو روائي، لابد أن يكون مبدعاً، ليس بالضرورة أن يكون روائياً، مع أن أكثر كُتَّاب السيناريو والحوار الذين أبدعوا الأعمال الدرامية الخالدة، روائيون، «محفوظ عبدالرحمن، وأنور عكاشة»، كانوا روائيين، ثم تفرَّغوا لكتابة الأعمال الدرامية: بوابة الحلواني، ليالي الحلمية... وغيرها من الأعمال التي لا زالت في وجداننا.

الرواية عمل مبنى على عناصر متعددة؛ هو الآخر، أي أن الأحداث والحوار مترابطة بنائياً، ليست أحداثاً مختلقة ولا مأخوذة من الحوادث والأحداث اليومية المنشورة في وسائل الإعلام، ثم يتم بناء سيناريو وحوار لفيلم أو مسلسل منها.

الممثل أحد العناصر، لكن موهبته هي الأساس، ثم تأتي الدراسة. بقية العناصر أيضاً مهمة، لكن القصة والسيناريو والحوار يُمثِّلون الجهاز العصبي والعمود الفقري؛ الذي لابد أن يكون قوياً بشكلٍ يحمل كل العناصر الأخرى، ويُحلِّق بها عالياً في وجدان المتلقِّي، لذلك لابد من وجود أكاديميات للفنون، تُدرِّس الكِتَابة أيضاً، لأن كتابة السيناريو تعتمد على تقنية خاصة، بالإضافة إلى الإبداع والخيال، والمخزون المعرفي، تدريس التمثيل والتصوير والأزياء والمونتاج، وكل التفاصيل مهما بدت صغيرة وهامشية؛ إلا أنها يمكن أن تُسقط عملاً ضخماً إذا أُهملت. تحويل الرواية إلى عمل سينمائي أو درامي يُمثِّل معياراً للنجاح، إذا كان الاختيار بعيداً عن المجاملات والمحسوبيات، أي بناءً على جودة العمل، وجمال اللغة، وجدة الموضوع.

عام 2008 أقام اتحاد الكُتَّاب في مصر دورة لكتابة السيناريو والحوار للروائيين والروائيات، كنتُ حينها في مصر، فانضممت إلى الدورة، دَرَّسَنا فيها كِبَار كُتَّاب السيناريو، مثل أنور عكاشة، ومحفوظ عبدالرحمن، والأستاذ الرئيسي كان السيناريست السيد محمد عيد، صاحب الأعمال الدرامية العظيمة. حينها أوضحوا لنا في أول درس؛ أن الإبداع هو أساس الكتابة الدرامية، لأن لغة الحوار الأدبية مهمة في الكتابة، ليست اللغة العامية أو بلاغة جوفاء، ربما تختلف السينما لأنها تعتمد على الصورة، لكن اعتمادها على القصة المبدعة يُمثِّل أول خطوة في طريق نجاح الفيلم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store