Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

كأس العالم.. والحرية الأوروبية العرجاء!

A A
هل سمعتَ - عزيزي القارئ - بالواقعية الساذجة؟.. إن لم تكن قد سمعت بهذا المصطلح من قبل، فسأقول لك أنه تحيّز عقلي يعني الإحساس الواثق للعقل بامتلاك الحقيقة المطلقة، ومحاولة فرض هذا الرأي أو الفكرة على الآخرين باعتباره الصواب؛ الذي يجب على الجميع اتباعه، بدلًا من وضعه موضع النقاش والشك والتساؤل والتحليل!. إن أردتَ نموذجاً واقعياً على هذا الخلل، الذي لم تسلم منه حتى العقول القادمة من المجتمعات التي تُسمِّي نفسها بالعالم الأول، فلا أوضح ممّا يحاول بعض شواذ أوروبا فرضه هذه الأيام على الشقيقة قطر؛ التي تستضيف حالياً نهائيات كأس العالم لكرة القدم، حيث يعتقد هؤلاء أن على قطر وجميع المشاركين، بل وعلى العالم أجمع، الخضوع لرأيهم، ولأسلوبهم في الحياة، دون وضع أدنى اعتبار أو احترام لمعتقدات الآخرين الدينية، أو قِيَمهم أو حتى عاداتهم الثقافية والمجتمعية!. ما يحدث في قطر، هو نموذج بسيط لما يُمارسه الغرب (المتغطرس) على الكون كله؛ من ازدواجيةٍ معيبة في معايير الحرية، وخلط مضحك لحقوق الإنسان، وضغط مشين لفرض الرأي بالقوة، فالغربي الذي لا يزال يتعامل مع كثير من دول العالم بعقلية «مستعمر القرون الوسطى»؛ المتفوق في كل شيء؛ متصوراً (بعقليته الساذجة) أنه منبع «التحضُّر» لكل المجتمعات الإنسانية، لذا فلا يجد في نفسه أي حرج من الضغط بكافة الأشكال لإتّباع قوالبه الجاهزة للحرية والديمقراطية، وأسلوبه في الحياة، ومن لا يقبل بهذه (الأصنام) فهو في نظره همجي، منتهك لحقوق الإنسان، دون أن يُكلِّف نفسه بالمقابل وضع أي درجة من الاحترام لمعتقدات الطرف الآخر الدينية، أو موروثه الثقافي. ولست بحاجة للتذكير بتاريخ أوروبا القمعي الطويل، الذي ما تزال شواهده حاضرة في أفريقيا وآسيا وغيرها من بلاد الله، التي عانت من ويلات (تجّار المبادئ). ذلك التاريخ الذي قال عنه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم قبل أيام، أنه بحاجة لثلاثة آلاف عام مقبلة للتكفير.. لكني أتساءل فقط هل سيسمح لكَ الغرب بحرية التعبير من خلال التشكيك في الهولوكوست مثلاً؟!. اتّباع الشهوات الشخصية بلا قيود؛ لا يجب أن يكون من ضمن معايير الحرية الحقيقية.. صحيح أن الحرية قيمة إنسانية عليا، لكنها عندما تخرج عن إطار العقل، وقيود السنن الكونية، لتصبح لعبة في أيدي السياسيين يكسبون بها أصوات الشواذ والمنحرفين، أو لمجرد التلذُّذ بمخالفة السائد، فإنها تتحول إلى (لعنة) تجر الويلات على العالم كله. عندما تكون الحرية حقوقاً من جانب واحد فقط، تصبح حرية عرجاء لا قيمة لها.. الحرية التزام ومسؤولية تتطلَّب الاحترام الكامل والمتبادل للرأي وصاحبه، أياً كان مدى رضاك عنه.. وإذا كان فقدان الحريات في أي مجتمع يؤدي إلى شلل ذلك المجتمع، فإن إطلاقها بلا حدود سيؤدي أيضاً إلى مرض المجتمع وموته.. وما يشهده الغرب من سقطات في محاضن الشذوذ، هو عبث يسيء للحرية كقيمة ويُقوِّض معانيها.. وسيسقطها - إن استمر - من عليائها، رغم كل ما حققته وتُحقِّقه من منجزات اقتصادية وعلمية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store