Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

داء الفضول!!

A A
ربما أنك تتخذ موقفاً دفاعياً -أحياناً أو كثيراً- ضد مَن يُحاول تخطِّي حائط خصوصياتك، والتجاوز بدخول نطاق حياتك، من خلال استنطاقك حول أمور جرى العرف على تصنيفها ضمن الأمور الخاصة؛ التي لا يحق للآخرين استنطاقك حولها تحت أي بند من بنود المشاعر، كالتعاطف مثلاً، أو لمجرد الاطمئنان عليك!.

ربما تكون بنود المشاعر زائفة، تحت قناعها يكمن داء الفضول، أو إدمان تعرية الآخرين ونزع ورقة التوت عن أسرارهم، وأزماتهم، وكشف المستور المختبئ خلف جدار صمتهم ورضائهم بالمقسوم والمُقدَّر في حياتهم. لكل مِنَّا مجال ممغنط أو منطقة ملغومة لا يُمكن للآخرين الاقتراب منها أو اجتيازها، نخفي فيها ما هو جدير بالحفظ والكتمان، تلك المنطقة هي الخصوصية، أو الحائط الوهمي الذي تُقيمه بينك وبين الآخرين، تستر به حياتك الخاصة، هي حقك الإنساني والاجتماعي والقانوني في حماية كل ما يتصل بحياتك، لذلك تعتبر الخصوصية منصّتك الدفاعية، كي لا يتسلَّل الآخرون إلى نطاقك، ومعرفة تفاصيل حياتك.

سؤال يبدو وديًّا وطبيعيًّا حول حالتك الاجتماعية مثلا: هل أنت متزوج/ة؟ وأنت تُجيب بمنتهى التلقائية والبساطة مثلا: لا، مطلَّق/ة، منفصل/ة، هنا تبدأ الأسئلة الثقيلة، ويبدأ موسم العواصف والصواعق والحجارة؛ أسئلة تتساقط على رأسك، وأنتَ تُحاول صدَّها أو وقفها بإجابات مختصرة تُعبِّر عن الرضا والستر، لكن هيهات، لن تُرضي نزعة الفضول التي رسخت جذورها في عمق الآخر، الذي يريد الكشف عن كل ما يختبئ تحت خمار الخصوصية؛ بصلافةٍ وإصرار ربما يُخرجك أحياناً عن تلقائيتك وبساطتك قبل أن يسحب الغطاء الأخير الذي تحاول الاختباء خلفه، فتحتد على مارد الفضول الخارج من قمقمه، وتُغادر مجلسه، أو أنَّك ترد عليه بقسوةٍ تُصمته، وتضع لجاماً على فضوله.

بعض الناس يريد معرفة كل شيء عن كل من يجلس معه، يجتاز مساحة الخصوصية التي تفصل بينك وبينه بقفزةٍ واحدة، فإذا كنتَ تلقائياً وبسيطاً، أو على رأي: «اللي في قلبك على لسانك»، تكتشف في نهاية الحديث أنك استدرجت، وقلت ما لا يجب أن يقال، وتعريت أمام شخص لا يملك صلاحية الاطلاع على تفاصيل حياتك، وتعريتك ونزع آخر ورقة توت تستر بها عوراتك.

كم من الأسرار الخاصة بحياتك أفشيتها رغما عنك؟، كم مرة ألزمت نفسك بعدم السقوط في الفخ مرة أخرى؟!.

أسوأ أنواع الفضول هو ما تُمارسه بعض النساء، وأتصور أن مثله يتم في عزاء الرجال، لأن الفضول مرض يُصاب به الانسان، ليس حكراً على النساء، لكن لأني أرى في مناسبات كثيرة -أفراح وأتراح- بعض النساء تتحرَّى عن كل شيء، عن فستان العروس مثلاً، بكَم ومن أين، وكم إيجار القاعة، وعن أسماء وألقاب أهل العريس، أو أهل العروس، ومستوى قرابتهم، وغير ذلك من أمورٍ ليست لها أهمية لدى الحضور، لكن مرض الفضول يُسفر عن وجوده بقوة.

في مناسبات العزاء حدِّث ولا حرج عن داء الفضول الذي يأتي سافرًا، يستقصي عن كل ما يتعلق بالمرحوم أو المرحومة، أما إذا كانت الوفاة بعد معاناة مرض أو نتيجة حادث؛ فالفضول يصبح قبيحاً جداً، لأنه لا يُراعي حالة أهل المتوفى، بل يلهث فضولهم لمعرفة كل صغيرةٍ وكبيرة عن المرض أو الحادث، وكيفية حدوثه، وعن المنطقة التي وقع فيها، وعن الإصابة التي أدت إلى الوفاة، أسئلة دقيقة ليست من حق المعزين طرحها، ولكنه داء الفضول يأكل في نفوسهم، ويعمي بصيرتهم عن مهابة الموقف والألم؛ والحزن الذي يُخيِّم على ذوي الفقيد/ة أياً كانت أسباب الوفاة، لكنه داء الفضول المتأصِّل في بعض النفوس شفاها الله!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store