الدرعية.. مطلها ولياليها!

ثلاثة أيام مفعمة بالدهشة، معبَّأة بالفرح بكل تلك المشاهد التراثية والحضارية، في الرياض، «المدينة» التي تحولت إلى مدينة عالمية، في عهد خادم الحرمين الملك سلمان، ومن خلال رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.

رافق زيارتي لمدينة الرياض الأسبوع الماضي الأجواء الماطرة البديعة والسماء الغائمة على مد البصر، تُشعرك بالأجواء الأوروبية، حتى خلال زيارتنا للدرعية التاريخية وقصر سلوى والجامع، كانت السماء تُرسل علينا زخات المطر الخفيف.

بدعوة وتنظيم وترتيب ورفقة مضيفتنا العاشقة للوطن، سمو الأميرة نوف بنت فيصل بن تركي آل سعود، التي تحفظ تاريخ الدولة السعودية عبر مراحلها المختلفة، وهي تحكي لنا بحبٍّ وفخر، لتزويدنا بمعلومات أكثر قرباً وحباً، انطلقت جولتنا من الدرعية.

يعود تاريخ الدرعية إلى القرن الثامن عشر للميلاد، بما تُمثِّله من أهمية كونها مهد انطلاقة الدولة السعودية الأولى، وموطنا لأسرة آل سعود.

بداية جولتنا كانت من قصر سلوى، الذي يُمثِّل جزءاً من حي طريف التاريخي، أهم المواقع الأثرية في المملكة، المدرج على قائمة التراث العالمي في اليونسكو منذ عام 2010م، ومقر أمراء آل سعود طوال حكم الدولة السعودية الأولى، يحده شمالاً وادي حنيفة، وشرقاً بيت المال، بمثابة خزينة أو بنك الدولة في ذلك الوقت، وغرباً مسجد الإمام عبدالله بن سعود، وقصور إخوته الأمراء، مساحة القصر تزيد على عشرة آلاف متر مربع، وهو أكبر قصور الدرعية بنجد.

تجوَّلنا في طوابقه الثلاثة، ومساحات الجلوس والاجتماعات، غرف المكاتب ومجرى ماء الوضوء، ونوافذ مثلثة الشكل للتهوية والاضاءة، بني من الطوب اللبن المجفف والقش وجذوع من الخشب.

ثم تجولنا في مسجد الإمام عبدالله بن سعود، بطوابقه ومساحاته، وطلَّته البديعة على المزارع وأشجار النخيل الشامخة الشاهدة على التاريخ.

انتقلنا بعدها إلى المتحف مع المرشدة السياحية الشابة السعودية التي كانت معنا من بداية الجولة، تحكي لنا بالتفصيل قصة المكان والزمان والإنسان أمراء الدولة السعودية الأولى، الذين صنعوا تاريخ الدرعية، ووضعوا اللبنات الأولى لتاريخ آل سعود المجيد، الذي استكمله المُؤسِّس الملك عبدالعزيز، وأبنائه الملوك، حتى عهد الملك سلمان وولي عهده صاحب الرؤى المجددة والمطورة لكل جزء من أرض المملكة.

المتحف مُبهر بتفاصيله، ومزوُّد بأجهزة عرض وشاشات، وإضاءة حديثة. انتقلنا بعد ذلك إلى مطل البجيري كي نراه في النهار قبل الغروب، ثم نعود إليه ليلاً للعشاء في أحد مطاعمه الفاخرة، التي تُعدُّ أرقى وجهات الطعام في الدرعية بأكثر من 20 مطعماً من نخبة المطاعم الحائزة على تقييم ميشلان، بالإضافة إلى أفضل المطاعم المحلية والمقاهي المميزة، كانت كلها مزدحمة ليلا ونهارًا.

بعد تناول العشاء في مطل البجيري، ذهبنا مشياً في ذلك الجو البديع إلى ليالي الدرعية، وقد تم الحجز لنا مسبقاً من قِبَل مضيفتنا، تجوَّلنا ونحن أشد انبهاراً ودهشة لتلك الأضواء والمناظر البديعة، البحيرات الصغيرة، المطاعم والأكشاك التي تبيع الطعام طازجاً وساخناً.

وقفنا أمام سيدة تبيع الحنيني ونوع آخر من الطعام النجدي، تذكَّرت الحنيني لأني تذوَّقته، ليس تذوُّقاً، بل أكلت نصف العلبة وأنا أقف أمام العربة، كان ساخناً وطيباً، لولا أني تناولت العشاء قبل قليل كنتُ أتيتُ على العلبة.

كل الأماكن التي زرناها منذ الثالثة عصراً؛ كانت مزدحمة بالعائلات السعودية والسائحين من كل الأجناس، دون فوضى أو تدافع، لأن الحجز يتم عن طريق التطبيق، فالأعداد تتناسب مع المكان في كل الأوقات، كل الشباب والشابات في كل المناطق مواطنين/ات، بمنتهى الحرفية والترحيب للجميع، بوجوه باسمة وأدب جم.