Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لماذا لا ترتفع أسعار السلع في اليابان؟!

A A
من أكبر الحماقات التي لا يمكن أن تُقْدِم عليها شركة في اليابان، رفع أسعار منتجاتها، ولو بنسبة طفيفة، حتى لو اضطرت الشركة لتقليص هوامش ربحها، وتحمل تكاليف الزيادة، فرفع الأسعار يُعدُّ خطأ جسيماً في أعراف المجتمع الياباني، الذي تشهد أسواقه استقراراً عجيباً منذ أكثر من 25 سنة.. فكل السلع تقريباً تحتفظ بأسعارها، إن لم تنخفض، رغم كل ما يشهده العالم من أزمات وأحداث، ورغم ما تبذله الحكومة هناك من جهود لدفع الأسعار نحو التحرك اللازم لنمو الاقتصاد، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل بدهشة: لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان كما هو حال بقية دول العالم؟!.

السبب الأهم بحسب خبراء الاقتصاد يعود للثقافة المجتمعية اليابانية في الشراء والادخار، أو طريقة «كاكيبو» التي تُمثِّل أسلوب حياة ظهر لأول مرة في العام 1904 على يد الصحافية اليابانية (هاني موتوكو)، التي نشرت طريقتها بين الناس على شكل جداول، لإدارة الميزانية الشخصية، وتقوم فلسفة «كاكيبو»، التي تحوَّلت إلى عقيدة يابانية، على مواجهة الذات من خلال بعض الأسئلة الرئيسية التالية: ما هي كمية المال التي بحوزتك؟، كم تريد أن تدخر؟، ما هي السلع التي تستقطع أكثر الميزانية؟، هل يمكن الاستغناء عنها، أو هل يوجد لها بدائل؟، كما تتضمن الطريقة رسائل تحفيزية، تُمكِّن مستخدميها من توفير نحو 35٪ من دخلهم الشهري.. ولك أن تتخيَّل كيف يمكن لشركة أن تُفكِّر في رفع أسعار منتجاتها (يناً) واحداً في وسط مجتمع يُدير حياته بهذه الطريقة الادخارية المنظمة.

الاستثناء حدث في العام ١٩٨٥م، عندما دعت الولايات المتحدة اليابان وبعض دول أوروبا إلى اتفاقية (بلازا)، التي تم من خلالها تخفيض سعر الدولار أمام (الين)، طمعاً في تحريك جمود الصادرات الأمريكية، فارتفع سعر الين الياباني قرابة النصف، ما أشعر اليابانيين بالثراء المفاجئ، فتوجَّهوا لشراء العقارات والأصول داخل اليابان وخارجها وبشكل جنوني من خلال الاستدانة من المصارف، لكن هذه العملية لم تستمر طويلاً، فخلال خمس سنوات فقط أصبحت المصارف مثقلة بالديون، لتنفجر الفقاعة في بداية تسعينيات القرن الماضي، ما عرَّضَ الكثير من الشركات وآلاف الناس للإفلاس!.

بعد خسارة اليابانيين لأموالهم في هزة ١٩٩٠ الشهيرة، عادوا بشكل أكبر وأكثر كثافة لسياسة (كاكيبو) الادخارية، بل إنها أصبحت عقيدة راسخة في حياتهم، خوفاً من تكرار المأساة، فتوقَّف الياباني بشكل شبه كلي عن شراء الكماليات، ولجأ ٩٠٪ منهم إلى إيداع أموالهم (تحت بلاطة) المصارف، لدرجة أن المصارف لم تعد تُقدِّم فوائد على الأموال، مما أدى إلى ثبات الطلب وثبات الأسعار بالتالي.

القصة لا زالت مستمرة، لكن ما يهمنا في كل هذا الفيلم الياباني الطويل، هو أن سياسة التعقل الشرائية، والترشيد الاستهلاكي الحكيم، هما العلاج الأمثل لتضخمات الأسعار غير المنطقية وغير المُسبَّبة.. أما الادّخار الذي يُمثِّل أحد البنود التي تحثّ رؤية ٢٠٣٠ على رفع الوعي بها لدى العائلات السعودية، فهو كلمة السر لحياة مستقرة ومستقبل مشرق بإذن الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store