Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

توابع زلزال تركيا ..!!

A A
في البداية أحب أن أشير إلى الموقف الإنساني الذي تقوم به المملكة العربية السعودية تجاه كل من يتعرض لكارثة، فهي ليست مبادرة فقط، بل تبذل جهودًا جبارة بالمال والرجال والعتاد لمساعدة الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية، أو مساعدة الدول الفقيرة، وما قامت به مؤسسة الملك سلمان الخيرية، ومنصة «ساهم» التي جمعت ملايين الريالات نقدًا لتقديمها لمساعدة متضرري سوريا وتركيا، كذلك القوافل الإغاثية العاجلة التي وصلت البلدين، يؤكد على أن المملكة العربية السعودية هي مملكة الإنسانية.

بعد كارثة زلازل مدمرة في ثوان حولت المباني إلى أنقاض بما فيها ومن فيها. هدمت المباني وهجرت ملايين البشر، وقتلت عشرات الآلاف، لابد أن لها توابع على مستويات مختلفة، التوابع التي أقصدها ليست الهزات الارتدادية، بل الهزات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التي ستُعاني منها المجتمعات المنكوبة بكارثة الزلازل أو المجتمعات الأخرى، التي تصارع الخوف والقلق، وسط سيل من النبوءات والتكهنات.

توابع سيعاني منها الناجون من الزلازل، أو الذين فقدوا أحبتهم، ومن عايش تلك اللحظات الرهيبة، وبالطبع الهزات النفسية التي يعاني منها الجميع المتمثلة في الخوف والقلق، إضافةً إلى الحزن بدرجاته كلما تمثل له هول الكارثة.

لا زلت أجهش بالبكاء، وأشعر بالألم -حتى الآن- كلما شاهدت خبرا أو مشهدا عن الزلازل التي ضربت تركيا وسوريا، مع كل توابع هذه الكارثة الإنسانية بالدرجة الأولى، إلا أن هناك قصصا وحكايات، مآسي فردية وجماعية، استغلت لتصبح مادة للعرض على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية المختلفة، لجذب أكبر عدد من المتابعين، واستغلال المآسي للترويج الشخصي.

بعد كل كارثة تنسج قصص من الخيال، هذا حال مآسي العرب، لكن هذه الكارثة بحجمها وعمقها وفداحتها كان يمكن أن تصيب الجميع بالصمت أو الخرس، حزنا وخوفا، لكن للأسف مع كل هذا الحزن والخوف إلا أن اختلاق القصص، والتحليلات الكاذبة أو المفرطة في الخيال؛ أخذت تنتشر انتشار النار في الهشيم، المشكلة أننا نتداولها على أنها الحقيقة، مع أننا نردد الحكمة القائلة: «لا تصدق كل ما تسمعه وصدق نصف ما تراه»، إلا أننا أصبحنا نصدق كل ما نشاهده بأعين الآخرين!.

كذلك تسللت الأفكار الدينية المتطرفة في ثنايا التحليلات والمشاهد، وربط الأسباب الإيمانية والدينية بخروج المناطق التي لم تتأثر بالزلزال بأقل الخسائر رغم وقوعها في مركز الزلازل، كمدينة الريحانية مثلا!.

لم تسقط مبانيها، ولم تفقد سوى فردا واحدا من سكانها -كما قيل- بالرغم من أن لذلك أسبابا أخرى، لكن فسر أحدهم ذلك بأن تلك المدينة كل أهلها مصلحون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ويفرق بين الصالح والمصلح، وأن الصالح لا يرد عنه الغضب.

ربط هذه الكوارث الكونية بغضب الله ورضاه، من أكثر القضايا التي تؤلم نفوس المصابين وضحايا الكارثة. لاشك أن كل ما يحدث بتدبير وتقدير الله سبحانه وتعالى، فهو المتصرف في الخلق والخلائق.

لكن تلك المدينة، منازلها مبنية من دورين فقط، وأصحابها يأتون إليها في الإجازات فقط، أي أن معظمها خالٍ من السكان.

قصص أخرى مختلفة ومختلقة، لتَُوفِّر بيئة ثرية بالحكايات والقصص المأساوية التي يجب ألا تستغل، وتُنشَر محرَّفة ومبتذلة، رغم الدمار والأجساد التي كانت تصارع من أجل البقاء في ظروف لا يعلمها إلا الله، وأرواح صعدت إلى بارئها، وربما هناك من قضى نحبه ولا زال تحت الركام، لم يبق له قريب أو صديق يبحث عنه ويستجل خبره.

ما هذه القلوب التي لا تستشعر الحزن، وهذه العقول التي تخطف من الحدث ما يُمثِّل مادة جاذبة لاهتمام الناس دون تأصيل وتوثيق؟، ربما لأن الناس في حالة من الفزع والخوف والذهول، وهم يتتبعون كل ما يظنون أنه يُهدِّئ روعهم، أو يطلعهم على شيء من الحقيقة، ولكنهم في الحقيقة يقعون فريسة هذه المقاطع المفبركة، والقصص والحكايات الكاذبة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store