Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

صفحة في كتاب... طويتها!

A A
كثيرة هي القصص التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لاستخلاص الدروس أو العِبَر، ربما لذلك لم أتوقف عندها لكثرتها وتكرارها بشكلٍ أصبح يُشعرك بالغثيان، وبعد أن كانت قصص العِظَة والعِبرَة على لسان الحيوان، أصبحت قصصا تحكي عن كرامات أو ابتلاءات لها أسبابها، لتكون عِبرَة وعِظَة.

القص على لسان الحيوان فن من الفنون الأدبية القديمة في التاريخ، ربما معظمنا قرأ كليلة ودمنة الذي ترجمه عبدالله بن المقفع عن الفارسية أو الهندية، كذلك مملكة الحيوان لجورج أوريل، وهناك من يطلق على هذا الفن اسم «الخرافة»، لأن الحديث على لسان الحيوانات، وهو أمر لا يحدث في الواقع، ومن خصائص تلك القصص أنها قصيرة، لأنها تحمل عِبَر أو حِكَم يستخلصها القارئ بفطنته وقدرته على الغوص فيما وراء السرد.

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد القصص تتيح للقارئ إعمال فكره وخياله لاستخلاص الحكم والعبر من أحداث القصة، لأن من صاغها ومن قام بنشرها لا يمتلك موهبة القص، أو صنعة الأدب، ربما لذلك لم يعد لها جاذبية أو تأثير؛ كما كان للقصص التراثية التي كانت تُكتَب على لسان الحيوان.

القصص على لسان الحيوان - كالأسد، والثعلب مثلا - تثير فضول القارئ حول الغلبة، هل هي للقوة التي يمتلكها الأسد، أم للمكر الذي هو صفة لازمة في الثعلب؟!.

القصة التي جذبت انتباهي هذه المرة، ربما لأنها بين أسد وخنزير، أو أن الدروس المستفادة منها؛ يمكن أن تؤخذ كنمط حياة، وأسلوب للعلاقات في القرب أو البعد، في حالة الوفاق أو الشقاق، رغم اعتراضي على تجريد القارئ من مساحة استنباط الحكم أو المواعظ، لأن تقديم الدروس من القصة يفقدها سحرها، رغم ذلك أعجبتني الدروس المستخلصة من القصة.

القصة تدور بين أسد وخنزير، وهو لم يُذكر في صراع القوى داخل الغابة في كُتب تُراثنا، ربما له وجود في ثقافات أخرى، لكن في ثقافتنا الإسلامية، فهو حيوان محرَّم أكله، وبالتالي تربيته واقتناؤه، فلا نعرف خصائصه، إلا عرضا خلال انتشار انفلونزا الخنازير، عرفنا أنه يأكل المخلفات والنفايات.

قصة الأسد والخنزير، من صفحة صديقة على فيسبوك. القصة تُصوِّر الموقف بين طرفي النزاع أو الخصام، خصوصاً عندما يشعر كل منهما بأهميته أو تفوقه على الآخر، مع أن موقف الأسد في القصة منطقياً ورؤيته صائبة، إلا أن الخنزير رغم مكانته الوضيعة، يشعر هو الآخر بتفوقه على خصمه أو غريمه، هنا تكمن الدروس المستفادة من القصة.

يُقال أن أسداً لقيَ خنزيرًا، فقال له الخنزير: قاتلني. فقال الأسد: لست بكفؤ، وإذا قتلتك، قيل: قتل الأسد خنزيرًا، وليس هذا محط فخر، وإن نالني منك شيء كان ذلك سُبًةٌ عليَّ. قال الخنزير: إن أنت لم تفعل، رجعت إلى السباع وأعلمتهم أنك جبُنت عن قتالي. فقال الأسد: احتمالي كذبك عليَّ أيسر من تلطيخ شاربي بدمك.

من هذه القصة أربعة دروس مستفادة أُلخّصها في:

أولا: الترفع عن معاداة التافهين، فإن غلبتهم لن تجد حلاوة النصر، وإن غلبوك فمرارة الهزيمة مضاعفة.

ثانيا: عندما تُنَازِل خسيساً بأسلوبه، تتساوى معه.

ثالثا: الفرق بين الترفع والتكبر، فالتكبر هو إحساسك بأنك أفضل من الآخرين، أما الترفع يعني أنك لا ترى في الخصومة أكثر من صفحة في كتاب قرأتها وأخذت منها درسا وطويتها.

الدرس الرابع: اترك مسافة آمنة بينك وبين الآخرين، كما تترك مسافة أمان بينك وبين السيارة التي أمامك، أي أن حياتك تصبح أجمل عندما تتقن فن المسافات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store