Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الشعبنة في التراث المكي

A A
الحديث المنتشر عن «الشعبنة» كل عام، وهذه الأيام نوعان؛ أحدهما توضيح وشرح لا يستند إلى حقيقة الشعبنة، والأسباب والدوافع الأصيلة التي أنتجت هذه الأنشطة المرتبطة بالمواسم الدينية في مكة المكرمة، والآخر مجرد آراء وأفكار سلبية أخرجت الشعبنة من سياقها، وأدخلتها في سياقات بدعية وعقائدية لم تقترب منها الفكرة ذاتها.

الشعبنة أصبحت طقسا اجتماعيا حديثا في مدينة جدة هذه الأيام، لكنها اختلفت وانحرفت عن أهدافها ومعانيها التي جعلت منها مناسبة اجتماعية في مكة المكرمة لأكثر من 90 عاما، كما هو مكتوب في بعض المواقع.

طبيعة التفاعل والتجاذب بين المجتمعات المتداخلة والقريبة، مثل مكة وجدة كأنهما مدينة واحدة لقربهما ولأن معظم أبناء وبنات مكة أصبحوا يعملون أو يدرسون في جدة، لذلك لا يمكن عزل العادات والأنشطة وقصرها على مدينة دون أخرى أو على مجتمع مكي أو جُدي، لكن أصبح أهل جدة أكثر احتفاء بالشعبنة من سنوات قليلة، لكنها لا تنتمي إلى الشعبنة التي خبرناها في مكة.

خبرت الشعبنة منذ وعيت ورقة التقويم، وتحديداً تقويم أم القرى، الذي تحرص الأسرة المكية على اقتنائه سنويا، وتقليب أوراقه يوميا. عرفت الشعبنة حضورًا وممارسة، وفهما وفكرة وتنفيذا. وهي بعيدة كل البعد عن تحولها إلى ليالٍ طربية، أو كما تنفذ عن طريق المشاركة ماديا في تجهيزها أو نفقاتها، أتصور أن الأمر هذا بدأ في مدينة جدة، ولأني ابنة مكة بالولادة والنشأة، وجُداوية بالسكنى أكثر من ضعف عمري الذي عشته في مكة، إلا أني لا أتنازل عن مكيتي مهما ابتعدت عن مكة.

الشعبنة في مكة، لم تكن سوى اجتماعات عائلية لتوديع المأكولات التي لا يتم تقديمها على سفرة رمضان، كالمندي، والمبشور، وغيرهما مما يقدم على السفرة المكية يوميا، لأن سفرة رمضان المكية لها خاصية تميزها عن باقي المدن من حيث النوعية والاستمرارية، حيث يتم تقديم شوربة الحب المجروش يوميا وبجواره « البف» أو السمبوسك المضفور، المحشو باللحم المفروم والبيض المسلوق والشبت والبقدونس، وبجواره طبق الفول والسحيرة، الطبق الأساسي على سفرة إفطار رمضان.

بالتأكيد هناك بعض الأطباق الخفيفة التي تقدم أيضا مثل المكرونة والقطايف باللبن والمفروم وأنواع أخرى ليس هذا مجال سردها. أي أن فكرة الشعبنة هي توديع أنواع المأكولات المختلفة التي ستُهجر لأكثر من شهر، كذلك الالتقاء بالأهل والأحبة، لأن شهر رمضان لا يتسع للزيارات واللقاءات سوى جمعات الأهل على سفرة الإفطار، وهي أوقات سريعة لا تسمح إلا باليسير من الوقت بين الإفطار والاستعداد لصلاة العشاء والتراويح.

لا يوجد تعريف حقيقي للشعبنة ولا تاريخ، فقط ارتباطها بأواخر شهر شعبان، لأن كل تلك الأنشطة المكية نتاج حاجة اجتماعية، لارتباط أهل مكة ببيت الله الحرام، ومواسم الحج والعمرة؛ فتناول الطعام الخفيف يساعدهم على الذهاب المبكر إلى بيت الله الحرام، وأداء صلوات العشاء والتراويح براحة، كذلك توجد كثير من المظاهر والعادات في شهر الحج لارتباط المكيين المباشر باستقبال الحجيج وتسكينهم ورفادتهم وانشغال الجميع بتلك الأعمال، فابتكرت النساء احتفالية «القيس» الذي بدأ وانتشر في مكة، ثم زحف قريبا إلى جدة كنشاط أو فكرة خارج سياقها المكاني ودوافعها الزمنية المرتبطة بذهاب الحجيج والرجال إلى منى وعرفات، وخلو مكة من رجالاتها، فلبست النساء كالرجال، القصد ليس التشبه بهم، لكن لإخافة مَن تُسوِّل له نفسه انتهاز الفرصة والسطو على منازلهم.

كل عادة مكية مرتبطة بحاجة اجتماعية، حتى بعض المأكولات المرتبطة بشهر الحج، كالمعمول والغريبة، لأن المخابز تقفل والمحلات، فتلك تمثل وجبة إفطار للنساء والأطفال أيام الحج.

كل شعبنة وأنتم بخير ورمضان يقبل بالخيرات والبركات رحمة ومغفرة وعتق من النار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store